مرّ على الرئاسة العامة لرعاية الشباب رؤساء عدة، وتمتع اتحادها الكروي بحيثية انتخابية لا يعرفها مجلس الشورى وعمداء الكليات، وأقالت من المدربين أكثر من أهداف مباراة ألمانيا، ومع ذلك فإن المحصلة المتكررة هي صناعة الإحباط والاكتئاب لدى الجمهور الذي كلما رفع رأسه مستنشقاً رائحة فوز تلقى ضربة موجعة. لا متعة للسعوديين سوى كرة القدم، فكل المسارات الأخرى مغلقة، حتى إن اجتماعهم على رصيف يثير ريبة «الهيئة»، لا يعرفون المسرح سوى لسماع الخطب والمحاضرات، ولا يجتمع أكثر من ثلاثة لمشاهدة فيلم سينمائي فلا مكان يتسع لزيادة. الشيء الوحيد الذي يتجمهر حوله السعوديون، إضافة إلى الحوادث المرورية، هي مباريات أنديتهم، أما العلامة الوطنية الوحيدة المعلنة فهي مباريات المنتخب، ومع ذلك يخرجون منها بحزن من شاهد تكفين ميت! خطط الآخرين ناجحة، بينما تفشل خطط المنتخب سواء ارتدت «مشلح» الرئاسة أو اعتمرت قبعة اتحاد كرة المنتخب. جميع المدربين الذين تركوا بصماتهم في كل مكان يأتون السعودية ليعودوا بوصمة الفشل والخيبة على جباههم. الوعود بالإنجاز لا تتغير وإن تبدلت الألسنة الناطقة بها، والنهايات المخيبة سمة ثابتة في كل مرحلة. لم يسبب لوبيز الخسارة، فهو مجرد مكفول لم يستطع فهم رغبات كفيله وكيفية تلبيتها، وإن كان سيئاً فهو جاء وفق رغبة الكفيل وبراعته في الانتقاء، وهو، تالياً، مجرد ضحية لحق بطابور زملائه السابقين، بينما الكفلاء دوماً على حق. كان المنتخب روحاً وطنية، فأضحى ميدان صراع وتجاذبات جعل النادي أولى من الوطن، وبدلاً من أن يكون راية التفاف أصبح رايات متنازعة مدعوماً بالخسائر المتوالية، فأصبح كل طرف يتهرب من شماعة الأخطاء ويعلقها على الطرف الآخر. إقالة لوبيز ليست الحل، بل هي هرب مألوف، لأن المدرب يختلف عن الساحر في أنه لا يخالف الواقع، بل مكمن براعته في استثمار إمكاناته إن استطاع، وإذا كان لوبيز فاشلاً فهو لم يأت بشهادة مزورة بل اختارته عيون لا ترى سوى ما تريد، فإذا ضاعت البوصلة لم يلتفت أحد إلى جوهر المشكلة وجذرها الجيني، بل يجري استئصال المدرب فلا يلبث الجرح أن يتلوث مرة أخرى. يبدو أن الكرة السعودية لن تخرج من دائرة الفردية سواء في الإدارة أو اللعب. هي ثقافة تتنافى مع العمل الجماعي وتعتمد طريقة تفكير أحادية تهمش الكل من أجل الواحد، وتحصر رهاناتها في فرد أو لحظة حظ من دون قدرة على التعامل مع المشهد كاملاً، ما يجعل الخطأ متكرراً والنتيجة واحدة، فلا تكون ثمة خبرة أو نمو معرفة ولا استفادة من الأخطاء. في كثير من النتائج الإيجابية السابقة كان دور لاعب وحيد أو تناغمه مع زميل آخر هو ما يصنع الفارق، فيكون المنتخب عبارة عن مسرحية فيها بطل و«كومبارس»، أما المخرج فهو غالباً ينتمي إلى عرائس الدمى، فإن غاب البطل انهار العمل بالكامل. الخاسر الوحيد هو الجمهور الذي لا يعرف سوى الكرة متنفساً، ومع ذلك يجدها تورثه الحسرات والخيبات، فهو ضحية مثل المدربين واللاعبين لأن معنى الفعل والفاعل لا يحدده المنطق في ما يبدو. الرياضة في السعودية شعارها الثابت: «راح المدرب... جاء المدرب».
مشاركة :