محاولة في مزج البعد الاجتماعي بالتعبير الجمالي

  • 6/22/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يعتبر عبد الإله الجوهري واحداً من المخرجين المغاربة الذين جمعوا بين النقد والإخراج السينمائيين، فهو من بين المتابعين المتميزين لمسارات السينما العربية والعالمية على حد سواء ومنها طبعاً السينما المغربية التي هو أحد صانعي أفلامها الآن ضمن مجموعة من المخرجين السينمائيين المغاربة الذين منحوها امتداداً داخل العملية الإبداعية، كما جعلوها تعتمد على بناء الحكاية وفق سيناريو محكم ورؤية إخراجية ذات بعد جمالي واجتماعي في الآن نفسه. وهو أمر جعل أفلامه السينمائية تحظى بالمشاهدة من جهة وبالمتابعة الإعلامية والنقدية من جهة أخرى. لقد قدم عبد الإله الجوهري مجموعة من الأفلام السينمائية اللافتة سواء منها الأفلام السينمائية القصيرة أو الطويلة، وسواء منها الوثائقية أو الروائية/ التخليية. وهكذا وجدنا أفلامه السينمائية القصيرة وقد تطرقت إلى مشاكل اجتماعية وفق نظرة سينمائية جديدة بحيث قامت بعملية تقديمها عبر الإيحاء الرمزي والتأطير السينمائي المحكم والمبني على تأطير بنية الزمان والمكان اعتماداً على توالي اللقطات السينمائية المتنوعة وعلى ضبط إيقاع الشخصيات داخلهما وإبراز الأحداث المرتبطة بها في شكل بنائي فني يرتكز على الحبكة ويفسح المجال للوصول إلى الاحتمالات السردية المعتمدة عليها حتى دون تقديم حلول جاهزة قد ترضي المتلقي دون أن تدفع به إلى التفكير. إنه على العكس من ذلك يسعى إلى دفع هذا المتلقي إلى التفكير في حكاية الفيلم السينمائي وإعادة فك رموزها مما يقدم إليه في ثنايا الفيلم السينمائي ذاته. عمق إنساني هكذا وعلى منواله الفني، يركز عبد الإله الجوهري في فيلمه السينمائي الروائي الأخير على البعد الاجتماعي والتعبير الجمالي معاً، هذا الفيلم السينمائي الذي حمل عنواناً دالاً ومعبراً هو «ولولة الروح» بكل ما تحمله كلمات هذا العنوان من معاني العمق الإنساني والبعد النفسي الممتزج بالألم والرغبة في الخلاص، خلاص الذات من معاناتها، وخلاص الإنسان من إحباطاته التي تطوقه من كل جانب. الإحباطات التي ترتبط بواقعه وتُؤثر فيه في مجريات حياته في ظل تحولات علائقية مرتبطة بالحب والسلطة، بالفرح والحزن معاً، بالأغاني الشعبية وبقدرتها على الامتزاج بالوجدان الشعبي والتعبير على تمظهراته المرتبطة بالحياة اليومية وبالصراعات التي تقع في المجتمع في فترة زمنية محددة، تناولتها السينما المغربية في العديد من أفلامها وعبرت عنها من مختلف وجهات النظر، وسميت بفترة سنوات الرصاص. يمكن أن نشير إلى البعض منها مثل فيلم «طيف نزار» للمخرج كمال كمال وفيلم «علي، ربيعة والآخرون» للمخرج أحمد بولان، وفيلم «جوهرة بنت الحبس» للمخرج سعد الشرايبي، وفيلم «درب مولاي الشريف» للمخرج حسن بنجلون وفيلم «جوق العميين» للمخرج محمد مفتكر وغيرها من أفلام سينمائية مغربية لافتة. يأتي هذا الفيلم الجديد ليحقق تجربة سينمائية متميزة في مسار مخرجه وفي مسار السينما المغربية، لأنه فيلم محكم الصنع الفني والبناء الدرامي المتكامل. هو الذي اعتمد على سيناريو قوي كتبه الروائي والسيناريست عثمان أشقرا. فيلم سينمائي تناول فترة السبعينات المغربية عبر ثلاث قصص متشابكة في ما بينها ومتكاملة: قصة الشاب ادريس، الذي لعب دوره بإتقان الممثل يوسف عربي. هذا الشاب دارس الفلسفة الذي سيلتحق للعمل بسلك الشرطة في مدينة خريبكة حيث ثقافة النضال سائدة وحيث منابع فن العيطة وفنون عبيدات الرمى تحضر كتراث فني موغل في التربة المحلية، فيجد نفسه داخل معمعان كل هذه الأمور لا سيما بعد حدوث جريمة قتل لفتاة في مقتبل العمر، وبعد اكتشاف لجثتها مرمية في منطقة قرب دور الصفيح، ولا أحد يدري سبب مقتلها ولا من قام بذلك. ما سيدفع بقصة الفيلم إلى تبني عملية التحري كما نجد في القصص البوليسية المعروفة. وهو ما سيقوم به ادريس وهو يؤدي عمله. وهناك قصة أخرى موازية لقصة ادريس داخل هذا الفيلم هي قصة شيخ العيطة الروحاني وزوجته الفنانة الشعبية الزوهرة حيث سيتعرف إليهما ادريس ليزورهما باستمرار ويقضي لحظات جميلة في بيتهما وهو يستمع إلى فن العيطة وحكايات شيخها الفنان الروحاني. وبين هاتين القصتين تتشابك خيوط قصة ثالثة هي قصة الشاب المناضل الذي يقوم بإنجاز بحث حول فن العيطة ويأتي ليتشرب جذورها وخصائص فنها من الشيخ الروحاني وزوجته. مما يجعل من هذه القصص الثلاث تلتقي في ما بينها وتكون قصة الفيلم الرئيسية الكبرى. قصص يتوالد بعضها من بعض لقد استطاع المخرج عبد الإله الجوهري أن يوحد بين هذه القصص الثلاث بشكل سينمائي محكم، اعتمد فيه على تقطيع سينمائي متنامٍ بحيث تتولد كل قصة منها من السابقة عليها وتؤسس امتداداً مشهدياً لفصولها دون أن يشعر المشاهد المتلقي بأي فجوة سينمائية بينها وحيث تظهر لوحات فنية مستقاة من فن العيطة، مشكلة مداخل جمالية لكل فصل من فصول هذا الفيلم السينمائي، مما منحه تماسكاً فنياً قوياً وجعله يحقق فنيته السينمائية كما يجب. كما كان لشخصيات الفيلم أثرها الواضح في نجاح هذا الفيلم وتحقيق تميزه السينمائي. هذه الشخصيات التي قام بعملية تجسيدها بشكل فني قوي كل من الفنان محمد الرزين، في دور شيخ فن العيطة الروحاني والفنانة السعدية باعدي في دور زوجته الفنانة الشعبية الشيخة الزوهرة، والوجه السينمائي الجديد الممثل يوسف عربي الذي جسد دور الشاب ادريس بشكل مميز، بالإضافة طبعاً إلى باقي الممثلين الآخرين الذين نذكر من بينهم كلاً من بنعيسى الجيراري وجيهان كمال ومحمد الرزين وحسن باديدا وعبد النبي البنيوي وعبد الحق بلمجاهد وصلاح ديزان وغيرهم. هكذا يكون هذا الفيلم السينمائي المغربي الفيلم (93 دقيقة) - من إخراج عبد الإله الجوهري وإنتاج بوشتى فيزيون، وسيناريو عثمان أشقرا، وتصوير علي بنجلون، ومونتاج محمد الوزاني، وصوت محمد عواج، وموسيقى نسيم حداد -، قد استطاع أن يبصم بفنية متميزة على مساره الفني ضمن الفيلموغرافيا السينمائية المغربية بكثير من الجدية والمسؤولية وأن يحقق وجوده السينمائي بكثير من الألق السينمائي.

مشاركة :