الدكتور عبدالرحمن الفاضل في خطبة الجمعة: لماذا نتأخر ونحن المؤمنون؟.. ويتقدم الغرب وهم الكافرون؟!!

  • 6/23/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في خطبة الجمعة أمس بجامع نوف النصار بمدينة عيسى تساءل فضيلة الدكتور عبدالرحمن الفاضل عن «لماذا تخلفنا عن ركب المدنية والحضارة ونحن أربابها وصناعها، وقد تسيدنا العالم وملكناه قرونا طوالا؟!»، فقال: نجد الإجابة الصريحة المؤكدة في كتاب الله تعالى الذي يطلعنا على سنن الله سبحانه في تمكين الأمم أو إزالتها، هذه السنن والقوانين التي لا تتخلف ولا تتبدل يخضع لها البشر جميعا، مؤمنهم وكافرهم، في هذه الحياة الدنيا!! فإنه يوم حكمت شريعة الله تعالى ساد العدل في الأرض، وأطلقت الحريات المنضبطة بمنهج وقواعد الشريعة القويمة، وعمت المساواة بين الناس، وقدمت إثر ذلك الكفاءات ونحيت التفاهات، فلم يتسلم المناصب المهمات، ويتبوأ العالي من الإدارات والوزارات، إلا أصحاب العقول الراجحة، ذوو النهى والخبرة، والقوة من أهل الاختصاص والإخلاص، من أهل الحفظ والالتزام والأمانة، يوم كان ذلك تسيدت الأمة، وتقدمت في مختلف المجالات، وخضعت لها الممالك والإمبراطوريات!! ولعل في الناس من يسأل مستشكلاً إذا كان سبب تخلف المسلمين اليوم، وما ينزل بهم من الابتلاءات، وما ينالهم من المصائب التي تنحط فيما بينهم هو بسبب إعراضهم عن الإسلام، وإعراضهم عن الالتزام بشرائعه وأحكامه؛ فما بال دول الغرب وهي كافرة معرضة عن الدين كله، ما بال دول الغرب متقدمة لا تعاني مما نعاني منه؟ وكأني بالإجابة عن ذلك بينة واضحة؛ فإن الكتاب الذي أنزله الله على رسوله خطابًا لنا كما قلنا يتضمن سننًا ثابتة، وهناك سُنَّتَان تجليان الأمر إحداهما تجاه المؤمنين، والأخرى تجاه الكافرين المعرضين، أما السنة أو القانون الأول ففي قوله تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا»، أي لَيجْعلنَّ زمام الحضارة الإنسانية في أيديهم، وليبعدنَّ عنهم أخطار الأعداء، ليعيشوا أمناء مطمئنين في أوطانهم؛ ولكن لمن هذا الوعد؟! هو لمن آمن بالله حقَّ الإيمان، ولمن انضبط بأوامر الله والتزمها واجتنب نواهيه ولم يقربها، وهذا معنى قوله: «وعمل صالحًا»، فهل التزمنا بهذا الذي ألزَمَنَا الله عز وجل به؟ فالحال واضح يغنينا عن السؤال!؟ أما السُنَّة أو القانون الثاني فهو تجاه من كفر بشرائعه وتمسك بالدنيا، وعمل من أجلها لا يبتغي ثواب الآخرة ولا يرجوها، ويتضح هذا في قوله تعالى: «مَن كَانَ يرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يعْمَلُونَ»، أي أن كل من بذل جهدًا في سبيل الوصول إلى غاية، وكل من أجهد نفسه في سبيل هدفه، لا بد أن الله عز وجل يحقق له الغاية التي سعى إليها في حياته الدنيا، مؤمنًا كان أو كافرًا، وهذا ما نشهده في حضارات الأمم التي اجتهدت وجدت في سبيل الوصول إلى ما وصلت إليه من تقدم علمي وتقني وحضاري مادي وحسب، فالله تعالى يوصلها في الدنيا إلى الغاية التي كانت تَطلبُها وتتغياها هذه الأمم بموجب سنن الله تعالى وقوانينه الموضحة فيما سبق من الآيات الكريمة، فإن كانت مؤمنة فذلك نعيم عاجل، ووعد بنعيم آجلٍ!! وإن كانت غير مؤمنة فإن الله يوصلها إلى ما سعت إليه، ويمتعها به في الحياة الدنيا وليس لها في الآخرة من نصيب، لقوله تعالى: «أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون». إذن، هذه الأمم المتقدمة علميا وماديا التي تعيش في الغرب أو الشرق، وننظر إليها فنرى حضارتها تتألق بهذا الشكل الباهر، لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم إلا نتيجة جهود علمية وعملية مخلصة ومتقنة بذَلَتْهَا، فتحقق لها وعد الله -عز وجل- في الدنيا بحسب ما سعت من أجله من دون إجحاف لسعيها، مصداقا لقوله تعالى: «مَنْ كان يريد الحياةَ الدُّنيا وزينَتها نُوفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون». يتبين مما تقدم أن الدنيا والآخرة لا تنالهما هذه الأمة إلا بالإيمان والعمل الصالح المتقن، لقوله تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ»، هذا هو قدر أمتنا أن تكون ملتزمة بدين الله تعالى وشرعه، عاملة جادة وليست عاطلة خاملة!! بهذا وحده تخرج أمتنا مما هي فيه من المحن والمشكلات والضعف والوهن، وتقطع بهذا رقبة التبعية للآخر!! وأنه إذا أردنا أن نلحق بركب التقدم والحضارة والازدهار، فعلينا كما ذكرنا آنفا أن نفسح المجال للكفاءات القوية الحفيظة الأمينة، لأن الحال الراهن لم يعد يسمح بالتساهل في التعيينات، ولا المداهنة والمجاملات للأصدقاء أو حتى القرابات المبنية على المصالح الخاصة من دون النظر إلى الإمكانات والقدرات والمؤهلات، فتلك الأمم والدول التي شقت طريقها نحو التقدم قد ألغت من حسابها كل هذه الاعتبارات المعطلة للنمو والازدهار، فبادرت بتعيين الكفاءات القوية في مختلف الدوائر والوزارات، بل إن وعي الناس أنفسهم جعلهم لا يوصلون إلى المجالس النيابية المنتخبة إلا الأكفاء، ولا يرشح لمجالس الشورى إلا المقتدرون الأمناء من ذوي الدراية والخبرات الذين تهمهم مصلحة الوطن والمواطن في المقام الأول، وليس أدل على وطنيتهم وصدقهم من أنه إذا ما فشل أحدهم في مهمة من المهمات سارع إلى تقديم استقالته وتنحى؟!! ولعلنا اليوم نعايش قضية تهم كل مواطن بحريني وتؤثر على حالته وحالة أسرته المعيشية؛ ألا وهي قضية تعديلات قانوني التقاعد وما دار حولها من أخذ ورد وقبول ورفض في المجتمع البحريني، وقد تكشف من خلال ذلك وتأكد ما هو مؤكد ومعلوم للبحرينيين الواقع المرير لمجالسنا التشريعية النيابية والشورية، ولذلك كانت الوقفة القوية والمشرفة التي أبداها شعب البحرين الواعي الصابر المحتسب تجاه ذلك واضحة وحاسمة وقوية، وبخاصة تجاه مجلس الشورى الذي وافق على هذا التعديل ومرره من دون مراعاة مصالح عامة المواطنين، وكأن الحال الذي عليه معظم الشوريين يشي بأنهم منفصلون عن واقع هذا الشعب الأبي، بل بلغ الأمر ببعض الشوريين أن تطاول وانتقص بكلام متهور حق كل من وقف ضد هذا التعديل المجحف بحق المصالح التقاعدية للمواطنين في قوله: إنهم مرضى نفسيون؟! ويكاد يجمع شعب البحرين كله على رفض هذا التعديل! أيعقل أن يصدر هذا من أحد أعضاء مجلس الشورى ومن دون أن يعترض أحد من أصحاب السعادة الشوريين على هذا الكلام غير المسؤول؟!! ما أشرنا إليه من تطاول يدعونا إلى مناشدة جلالة الملك -حفظه الله تعالى- والقيادة الرشيدة أن يعفى أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى من المجلس، وبخاصة بعد أن تدخل جلالة الملك حفظه الله تعالى ووجه بإعادة بحث مشروع التقاعد، واتضح انقلاب الشوريين على رأيهم ومشورتهم! إذن لماذا وافقتم على تمرير المشروع؟ ألستم أهل الشورى والمشورة؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المستشار مؤتمن» (رواه الترمذي). ولذلك نرجو ونأمل ونذكر وننصح بأن هناك من الكفاءات البحرينية المخلصة المتمكنة المستعدة للبذل والعطاء وتقديم كل تضحية بتفان وإخلاص خدمة للوطن والمواطن من تستحق أن تعطى الفرصة لتبرهن على صدق انتمائها إلى وطنها، وولائها لقيادتها وشعبها، كما نأمل من الشعب البحريني الكريم الواعي المحب لهذا الوطن الغالي أن يعفي أصحاب السعادة النواب الحاليين، وذلك بألا يعيد انتخاب أحد منهم أو ممن سبقهم ممن خبرنا أداءهم ممن تراوده أحلامه وأمنياته الترشح للمجلس النيابي القادم. ولعله لا يخفى على فطنتكم أن وقفة النواب الإجماعية ضد هذا التعديل لم تكن إلا كالقشة التي يتعلقون بها؛ لعل وعسى أن تشفع لهم أمام ناخبيهم في الانتخابات النيابية القادمة، وبخاصة بعد الأداء السيئ غير المرضي الواضح من خلال أدائهم البرلماني المتعثر.. إن أردنا بصدق الإصلاح الموصل إلى التقدم والازدهار والنهوض الحقيقي للوطن فلنُعن القوي الأمين لا المنافق المَهين.. يقول تعالى: «إن خير من استأجرت القوي الأمين».

مشاركة :