الذين رموا حجراً في الماء الراكد

  • 12/10/2014
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

السؤال عن الجدوى، وإن كان هدفه في الغالب إيجابيا، إلا أنه قد يطرح أحيانا لإجهاض فكرة خلَّاقة أو مبادرة رائدة، قد تساهم في تغيير الواقع إلى الأفضل. ولو تساءل المخترع توماس إديسون عن جدوى الاستمرار بعد آلاف المحاولات الفاشلة لتوقف، ولما حقق تلك الإنجازات المذهلة في مجال الإضاءة والنقل والاتصال. ما جدوى مقال عابر، أو محاضرة تنسى بعد انفضاض السامر؟ وما جدوى قصيدة أو لوحة أو أغنية؟ وما نفع مبادرة جريئة في محيط تقليدي لا يتقبلها؟ هل هي مجرد صيحة في واد، ونفخة في رماد؟ هذا ما يراه أي باحث عن النتائج العاجلة. ولو استسلم المرء لهذا الشعور لما تقدم خطوة إلى الأمام. وقد قيل: "لم يربح اليأس معركة قط". كانت بعض المبادرات الفردية في البداية أشبه "بصيحة في واد". غير أن صدى الصيحة لم يذهب سدى. حتى حقيقة جاليليو العلمية التي تنكر لها عندما شعر أن حياته في خطر، انتصرت في النهاية ونُسبت إليه. لقد ألقى يومذاك حجرا في الماء الراكد. أذكر لقطة دعائية تظهر فيها صخرة صلبة صامدة أمام مطرقة ضخمة تهوي عليها بكل ثقلها فلا تفتتها. لكن قطرة ماء في غاية الرقة تسقط بشكل متواصل رتيب استطاعت مع مرور الأيام شق الصخرة. ولذلك قيل: "قطرة.. قطرة تفتت الصخرة". ويبدو أن مسيرة الإنسان نحو التطور شبيهة بحكاية قطرة الماء. فالتغيير لم يحدث بين ليلة وضحاها. والتاريخ حافل بمبادرات فردية، غيرت قناعات ومفاهيم كانت فوق النقد والمساءلة. وبعض تلك المبادرات غير مسار التاريخ. ذات يوم، وفي إحدى حافلات النقل العام في مدينة مونتغمري الأمريكية، رفضت روزا باركس المواطنة الأمريكية من أصول أفريقية التخلي عن مقعدها في حافلة عمومية لرجل أبيض، متحدية أوامر سائق الحافلة. رضخت روزا في وقت سابق لأوامر سائق الحافلة، فخرجت من الحافلة كي تدخل من الباب الخلفي المخصص للسود، لكن الحافلة انطلقت بدونها. تألمت روزا إلى درجة البكاء. لكن لا يشعر أحد بألمك ما لم تصرخ. وكانت "لا.. لن أبرح مقعدي" هي الصرخة التي أطلقتها في طريق عودتها مساء إلى البيت بعد يوم من العمل الشاق. ربما كان هنالك يومذاك من طرح السؤال نفسه: ما جدوى ذلك الاعتراض الذي يشبه صيحة في واد. يجيب أحد الساسة الأمريكان عن سؤال (الجدوى) بقوله: "لو لم ترفض روزا باركس الانتقال إلى الصف الخلفي من الحافلة لما سمعتَ أنتَ ولا أنا بمارتن لوثر كنج". كان ذلك الاعتراض الذي شكل بداية إلغاء التمييز العنصري السائد في أمريكا آنذاك. الشيء نفسه حدث للمهاتما غاندي في جنوب أفريقيا حين استقل القطار متجها إلى بريتوريا، ومعه تذكرة درجة أولى. يومها أمره المشرف على القطار بالمغادرة إلى حيث توجد مقاعد الملونين، وحين رفض غاندي ذلك اعتدى الكمساري عليه بالضرب والشتائم، ثم ألقي خارج القطار. لكن قيم ومبادئ روزا باركس والمهاتما غاندي تحققت في نهاية المطاف. كُرِّمت السيدة باركس بوسامين: الوسام الرئاسي للحرية والوسام الذهبي للكونجرس. كذلك يوجد ميدان باسم المهاتما غاندي في مدينة جوهانسبرج. نعم.. كانت مبادرات فردية شبيهة ببذور صغيرة تمد جذورها في الأرض؛ لتصبح مع مرور الزمن أشجارا باسقة مثمرة. متخصص في الإدارة الدولية المقارنة

مشاركة :