نعم كان نظاما دكتاتوريا: منع الموبايل أول ظهوره، ومنع الستلايت بدعوى الخشية من إفساد الناس، وكان نظاما لا يؤمن بمشاركة قوى أخرى يتهمها بالولاء للخارج، ويحول دون ممارسة الشعائر التي يدمي الناس فيها رؤوسهم، ويحول دون سفر الناس إلى الخارج إلا بعد أن يدفعوا أربعمئة ألف دينار، تعادل مئتي دولار ضريبة للدولة، ويحتكر تجارة البطاقة التموينية، ويدقق في جهازه المركزي للسيطرة والتقييس على نوعيتها، ويحول دون حصول الشركات على عقود النفط ويزج بأبنائه إلى حقول النفط وآبارها ليتّعلموا كيف يستخرجونه، ويوصلونه إلى المصافي، وكان يحبس رب الأسرة حين لا يرسل أبناءه للتعليم المجاني لغاية التخرج من الدراسات العليا والحصول على الدكتوراه، ويفرض على المتخرجين الجدد الذهاب إلى الريف ثلاث سنوات قبل أن يعودوا إلى المدن بهدف تقديم خدمة لهم. وفرض خدمة العلم الإلزامية على كل المتخرجين وغير المتخرجين، وأنشئ بقسوة جيل من البناة للجسور والسدود وتعبيد الطرق ينامون في الصحارى والقفار، وفرض على أعضاء الحزب وأنصاره مسك خفارات يومية لحماية المدنيين في المناطق السكنية أو تنفيذ أهداف أمنية، لا نعرفها، بل تمادى هذا النظام الدكتاتوري بذبح “القوادين” الكبار وتركهم أمام بيوتهم عبرة لمن اعتبر، بعد أن شاهد رأس النظام فيلما لمضاجعة مواطنته فوق العلم، جلبته له المخابرات، وحرضت الرئيس على تلك القسوة، كل هذا الكابوس زال بعد سقوط ذلك النظام الدكتاتوري التعسفي، وجاء نظام ديمقراطي برعاية “فايف ستار” أنشأ دستورا، وتعددية وغيّر مسار الدولة من دولة موحدة إلى اتحادية، وغير الحكم الذاتي إلى حكم الأقاليم، وأطلق الحريات والفضائيات ومئات المنصات وأطلق عنان التكنوقراط والثيوقراط، والبيروقراط، وكل ما يمت بصلة لقراط. والحصيلة لغاية اليوم: تبديد ثروة بثمانمئة مليار دولار، وضياع أكثر من ثلث العراق، وانحسار نهريه، وضرب التعليم وانتشار الأمية، وغياب سلطة الحكومة أمام سطوة الميليشيات، وتزوير غير مسبوق للانتخابات، وهجرة الملايين من الكفاءات، وانتشار مخيف للعشوائيات وضرب التصميم الأساس للمدن، وانتشار ظواهر الطلاق غير المسبوق والأمية غير المعلومة، والأوبئة ونيل البلاد المراتب الأولى في الفساد والدولة الفاشلة، وتحويل مؤسسات الدولة إلى كيانات هشة، وانتشار المخدرات وتحول البلد ممرا دوليا لها، والأهم خراب الروح الوطنية، وانحسار الشعور بالولاء للوطن وللمواطنة أمام الطائفية والمناطقية والتبعية للأجنبي إقليميا أم دوليا، وتكبيل البلد بعقود اقتصادية، وربط عجلة اقتصاده بدولة مجاورة حين يسقط نظامها السياسي ندفع فاتورتها بقوة، ماذا فعل أولئك وهؤلاء السياسيون، ليحطوا من قدر الشعب العراقي؟
مشاركة :