د. علي حسين باكير | هدد قائد في الحرس الثوري الإيراني بمنع الصادرات النفطية من العبور من مضيق هرمز في الخليج العربي في حال قامت الولايات المتّحددة بمنع صادرات النفط الإيرانية. وقال إسماعيل كوثري في تصريح له «إذا أرادوا ان يمنعوا الصادرات الإيرانية، فإننا لن نسمح لأي شحنات من النفط بعبور المضيق». أثار هذا التصريح مجدداً النقاش حول مدى قدرات إيران العسكرية على إغلاق مضيق هرمز، وما التداعيات التي من الممكن أن تتركها مثل هذه الخطوة على سوق النفط، أمن الطاقة، أمن الخليج وكذلك على الداخل الإيراني نفسه، سيما أنّه جاء بموازاة تصريح آخر كان الرئيس الايراني حسن روحاني قد أدلى به منذ أيام قليلة مفاده أن لا معنى لمنع صادرات النفط الايرانية في الوقت الذي يتم فيه مواصلة تصدير نفط دول المنطقة، متحدّياً الجانب الأميركي أن ينفّذ تهديده ان كان يستطيع. وتنبع حساسية التصريحات والتصريحات المضادة في هذا الموضوع بالتحديد من حقيقة أنّ مضيق هرمز يشكّل الشريان الحيوي الرئيسي لتجارة النفط في العالم، فهو يشكّل أكثر من ثلث تجارة النفط البحرية وحوالي ربع تجارة النفط العالمية. فضلاً عن ذلك، فإن البحرية الأميركية تتمركز داخله وعلى مدخله بشكل شبه دوري نظراً لأهميته الجيو-أمنيّة والجيو-اقتصادية، وهو ما يطرح سؤالاً متكرراً عن موقف واشنطن في حال نفّذت إيران مثل هذا التهديد. نظرياً وعملياً من الناحية النظرية، يمكن القول إنّ طهران تمتلك ما يلزم من قدرات عسكرية لتعطيل تجارة النفط عبر المضيق، ولديها الخبرة اللازمة لفعل ذلك انطلاقاً من تجربتها في الحرب العراقية- الإيرانية، حيث كان للألغام البحرية دور كبير في هذا المجال. ويسهّل التشكيل الجغرافي لمضيق هرمز إغلاقه أو عرقة التجارة فيه، اذ بالرغم من انّ عرضه يبلغ عند أضيق نقطة فيه حوالي ٣٣ كلم، فإنّ المنطقة الصالحة للملاحة فيه تنحصر بممرين مائيين بعرض ٣ كلم لكل منها، غالبيتهما تقع بالقرب من الضفّة الإيرانية للحدود. أمّا إذا تكلمنا عن قدرات إيران في منع التصدير من خلال استهداف منابع النفط او مصافي الإنتاج على الضفّة الشرقيّة للخليج، فهذا أيضاً ممكن من الناحية النظرية. إذ تمتلك إيران واحداً من أهم البرامج الصاروخية في المنطقة والعالم، وهو برنامج يجعل منها صاحبة أكبر ترسانة من الصواريخ البالستيّة في منطقة الشرق الاوسط. لكن من الناحية العملية، يبدو السيناريو النظري سطحياً للغاية، إذ إنّ إغلاق مضيق هرمز أو تعطيل تجارة النفط الدولية لا يرتبطان فقط بامتلاك القدرات اللازمة لتنفيذ ذلك، وإنما بالحسابات السياسية والعسكرية والاقتصادية الناجمة عن هذه الخطوة. سياسياً تبدو مثل هذه الخطوة انتحاراً خاصّة أنّ لا فوائد مرتقبة منها على الداخل الايراني، بل على العكس، قد تنزع مثل هذه الخطوة الغطاء عن الدعم السياسي الذي تتلقفه إيران من روسيا والصين على اعتبار أنّ أي خطوة من هذا النوع ستهدد أمن الطاقة العالمي. اقتصادياً، لا يمكن رؤية الفائدة من مثل هذه الخطوة، إذ إنّ عرقلة أو منع تجارة النفط عبر المضيق ستصعد بالأسعار بالتأكيد بشكل قياسي في فترة وجيزة. وفي مثل هذه الحالة، فإن الضغط سيزداد بشكل كبير على كبرى الدول الصناعية المستوردة للنفط، لا سيما أوروبا والصين، وهما جهتان من المفترض أنّ إيران تحرص على البقاء قريبة منهما. فضلاً عن ذلك، فان ضغطاً قياسياً في ارتفاع الأسعار قد يدفع على الأرجح باتجاه تسريع التصعيد العسكري. في هذه النقطة بالتحديد، يبدو العامل الأميركي الأكثر حسماً في الحسابات المختلفة الناجمة عن محاولة عرقلة تجارة النفط عبر مضيق هرمز او إيقافها كليّاً. التحرشات البحرية في نهاية عهد أوباما، كان التحرّشات البحرية الايرانية بالتواجد العسكري الأميركي في الخليج دوريةً وخطيرةً الى حدّ كبير، وقد غامر الحرس الثوري أكثر من مرّة في هذا المجال، لكنّ حسابات الرئيس الأميركي السابق كانت مكشوفة في ظل سعيه العلني الى تجنّب أي نوع من أنواع الصدام مع إيران، الأمر الذي سمح للأخيرة بالتصعيد ضد واشنطن في الخليج والحصول على مكاسب دعائية وإعلامية وسياسية نتيجة التحرّشات المتكررة. امّا في عهد الرئيس دونالد ترامب، تبدو الامور مختلفة قليلاً لناحية محاولة تقدير ردّة فعل الرئيس الأميركي. فالأخير لا يبدو متوازناً او عقلانياً، وبالتالي فان قراءته ردّة فعله غير ممكنة، الامر الذي يصعّب على الايرانيين اختبار ردّة فعل البحرية الاميركية في عهده. وربما هذا ما يفسّر بالتحديد التقارير التي أشارت بداية العام الى أن عدد الحوادث البحريّة في الخليج كان قد تراجع لأن الجيش الإيراني أوقف «التحرش» المنتظم بالسفن البحرية الأميركية في المنطقة. وفي هذا السياق، يصبح تفسير التصريحات الإيرانية الأخيرة أكثر معقولية إذا ما فهمناها من زاوية الحرب النفسيّة والبروبغندا الإعلامية عندما يتعلق الامر بالحرس الثوري. ففي نهاية المطاف، واشنطن ليست مضطرة لاستخدام القوة لمنع إيران من تصدير النفط، ويكفي أن تضغط على الدول الحليفة لها، او ان تكون جادة في تطبيق عقوبات على من يخرق العقوبات على إيران حتى تخفّض من مشتريات هذه الدول من النفط من طهران بدرجة كبيرة، ومن غير المعقول أن تقرر إيران مرّة واحدة القفز الى خيار تعطيل تجارة النفط عبر مضيق هرمز من دون أن تلجأ أوّلاً الى خطوات تصاعديّة. التفسيرات التي صدرت لتصريح الرئيس الإيراني تبدو أكثر براغماتية، فرئيس لجنة الامن القومي والسياسية الخارجية في البرلمان الإيراني قال انّ الرئيس لم يقصد إغلاق المضيق، وإنما قصد انّ منع إيران من تصدير النفط سيؤدي الى أزمة تمنع بدورها الدول الأخرى من تصدير نفطهم. في جميع الأحوال لا يزال من المبكر جداً باعتقادي مناقشة مثل هذا الخيار، فالمنطقة لا تخلو من صناديق الرسائل لدى الطرفين الايراني والأميركي، وبالتالي فان التصعيد بشكل فجائي في الخليج لناحية تعطيل صادرات النفط لا يبدو خياراً عملياً، على الأقل في المرحلة الحالية.
مشاركة :