أنهيتُ مقالي السابق بذكر المقارنة بين عضو هيئة التدريس السعودي، ونظيره المتعاقد، وكيف أنَّ الظروف الاقتصادية لبلادهم، مع ما يتقاضونه من رواتب، تمكّنهم من تأمين مستقبلهم، ومستقبل أولادهم -بارك الله فيهم ولهم- بينما عضو هيئة التدريس السعودي مع وضع بلاده الاقتصادي، والغلاء الذي يتصاعد يومًا بعد يوم، والتزاماته الاجتماعية، فهو بالكاد يعيش. ثم طرأت لي فكرة المقارنة بين عضو هيئة التدريس، وبين عاملته المنزلية، أو سائقه الخاص، لنعلم أنَّنا نعيش عيشة وهمية مؤقتة، فالمتعاقد في أي وظيفة عند عودته لبلاده يكون قد حقق كثيرًا من أحلامه، وهذه حقيقة يشهد بها الواقع، فالفارق الاقتصادي يمكنهم من بناء مسكن، وشراء مزارع، ومحطات بنزين، ما يحقق لهم الاستقرار المستقبلي. فنحن لو قارنّا بين عضو هيئة تدريس في جامعاتنا وبين الخادمة التي تعمل لديه براتب ضئيل، فإنَّنا نجدها في بلادها تمتلك سكنًا، وكفيلها الأستاذ الجامعي يسكن بالإيجار، الذي يوفره من راتبه، وهي تمتلك مشروعًا استثماريًّا، وهو ما يزال يركض في أروقة الجامعة، وهي تتمتع بالتأمين الطبي، إذ على كفيلها أن يتكفل بعلاجها، وهو لا يمتلك تأمينًا طبيًّا لا لنفسه، ولا لأهل بيته، وعلينا أن نعلم أنَّ المستشفيات الجامعية لا تتوافر إلاَّ في بعض الجامعات. وكل ذلك له انعكاساته على عطاء عضو هيئة التدريس التعليمي، مهما كان مخلصًا في عطائه، فهو أب، وابن، وزوج يبحث عن لقمة عيش شريفة وكريمة لأهل بيته، ومَن يعول من أسرته، إضافة إلى قلقه الدائم لعدم شعوره بالأمان الوظيفي خاصة بعد التقاعد. إنَّ إنشاء لجنة، أو هيئة لحقوق عضو هيئة التدريس باتت ضرورة مُلِحَّة، فهي ليست من باب الترف، أو الوجاهة. فعضو هيئة التدريس يا جماعة عالي المراتب، قليل الرواتب، ليس له إلاَّ حرف الدال، الذي أصبح وبالاً عليه، فهو مجرد فرقعة اجتماعية تجلب له العين والحسد (يحسدوا الأعمى على كُبر عينه). إنَّ المفارقة المعيشية والاقتصادية لابد أن تُوضع في الحسبان، وحجة أنَّ زيادة رواتب عضو هيئة التدريس تنعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني، لأنها تثير طمع وجشع التجار، هي حجة واهية، بدليل زيادة راتب الأطباء، والقضاة، وغيرهم من موظفي الدولة، والمتعاقدين، ولم يدندن بها أحد، وإنما الغلاء مستمر نتيجة عدم الرقابة، أو عدم وجود آلية حازمة تحد من هذا الغلاء النَّهم المتصاعد. نريد لجنة لأعضاء هيئة التدريس تتّسم بالإنصاف والحيادية، تُدرك قدر عضو هيئة التدريس، وتقدِّر مكانته، ثم تدرس وضعه، وتقارنه بمن هم في مكانته من موظفي الدولة، وتُطالب بحقوقه، وإذا كُنَّا حقًّا نريد أن نرتقي بالتعليم العالي علينا أن نرتقي أولاً بالقائمين عليه، ونوفِّر لهم البيئة الوظيفية الآمنة، التي تحصر همهم في العلم وكيفية تطويره، وتكفيهم عناء انشغال تفكيرهم في كيفية توفير أجرة السكن، أو الدواء لأنفسهم، أو لأفراد أسرتهم، فهم بشر، ولنكف عن مطالبتهم بالمثاليات، في حين أنّ الجهات المسؤولة عنهم لا تقدم لهم كثيرًا من الضروريات. d.najah-1375@hotmail.com
مشاركة :