أحد أسباب عشقي للسفر هو استكشاف روح أي مدينة أزورها، فالمدن مثل البشر، هناك من يحمل روحاً خفيفة بوجه بشوش، يبتسم طوال الوقت وهناك من روحه ثقيلة بوجه عابس، أتساءل دائماً عن سبب جعل أي مدينة أزورها تجذبني، بالتأكيد بجانب العامل التاريخي والحضاري والجمالي، هناك ابتسامات السماء تشدني، وأعني بها طقس المدينة، فيكون أول تعليق لي هذه المدينة تضحك، وكأنها ترحب بي بابتسامة باذخة، فأنا لا أحب السكون الزائد، ولا الشوارع الفارغة من السيارات، ولا الشواطئ الخالية من الناس، تصبح مثل نهاية قصة حب كئيبة، أو كأنها فكرة تهز اليقين. بعض المدن إذا زرتها كأنك تغيب عن الوعي لفترة ثم تعود محملاً بالحقائق الصادمة، تترقب خوفاً قادماً، متجهمة كئيبة، وبعض المدن صامته مصابة بالخرس، أتأمل حركات الناس فيها وسلوكياتهم وردات فعلهم، وكأن هذه المدينة تسحب من جسدهم المتعب عصب الحياة. فنحن نأتي من بلاد بعيدة لتجربة شيء مثير عكس ما تعودنا عليه في بيئتنا الجافة، الصحراوية، أو الاستوائية، أتراه الملل هو الذي يجرنا إلى أقاصي الدنيا؟، أم البحث عن الإثارة لحث الذاكرة والجسد على تجربة تعتبر وثيقة تصالح مع الحياة تستحق أن تعاش؟. في الأسبوع الماضي شرفت بدعوة كريمة للمشاركة في البرنامج الثقافي لسوق عكاظ في دورته الثانية عشر، حيث يحقق سوق عكاظ أهداف خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، والذي تقيمه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وشركاؤها؛ ليصبح وجهة سنوية ينتظرها رواد الفكر والإبداع والتميز من داخل المملكة وخارجها. وهذا الكرنفال الحضاري الثقافي التاريخي يشكل واجهة جيدة للمملكة، وكونه يقع في مصيف أو مدينة تعتبر وجهة سياحية في المملكة وهي مدينة الطائف، هذه المدينة الضاحكة والتي لا يكاد واحد منا أن يذكر اسمها إلا وتنهال عليه ذكريات الطفولة والكثير من الحنين، مازالت هذه المدينة رغم وجود المكونات السياحية التي تنهض بها تئن من قلة الخدمات، وعدم توافر برامج ترفيهية حقيقة عدا سوق عكاظ السنوي، والذي لاحظت الإقبال الكبير عليه، فعندما ننادي بالسياحة الداخلية لابد أن تكون بديلاً جيداً عن السياحة الخارجية، على الأقل البلدان السياحية القريبة من المملكة، فالسائح الآن مختلف عن السائح قبل خمسة عشر عاماً، ففي ظل الخيارات المتاحة أمامه والأسعار التي توازي قيمة الخدمة، لا يمكن أن تكون الطائف أحد خياراته لمجرد أن المنطقة تتمتع بطقس جميل وسط حرارة الصيف، ولكن السائح يبحث عن الراحة والخدمات الجيدة والمتعة الحقيقية المتوفرة للأسرة، في الواقع إننا نحتاج إلى وقت طويل للحاق بركب السياحة الخارجية، هذه المتوهجة، الجاذبة، الباذخة الحسن، فالسياحة هي احتفالية مثل احتفاليتنا بسوق عكاظ، تجعل الإنسان يعيش شغفه بالحياة بطريقة مختلفة، فيصبح كل شيء مهيأً للفرح، وكل عناصر الوجود ترقص، ولا يمنع أنني شاكرة جداً ومبهورة بالجهود الرائعة والمميزة التي قامت بها هيئة السياحة ممثلة برئيسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، وشركائهم وعلى رأسهم جامعة الطائف التي بذلت جهوداً واضحة ومختلفة، حيث عُدت للرياض وأنا أحمل الكثير من التقدير والامتنان والذكريات الجديدة عن مدينة الطائف وبقلبي الكثير من ابتسامات الأصدقاء، أشكر الجميع على منحي كل هذا الفرح. وأعود لقرّائي أسألهم: هل شاهدتم مدينة تضحك؟.
مشاركة :