لا شك أن ثمة علاقة خفية، مميزة وغامضة تتشكل حروفها بين الكاتب والقارئ في حركة متواترة تشتد حيناً وتفتر حيناً آخر، وفق استغراق الكاتب في الكتابة واستحواذ النص على القارئ، ففي اللحظة التي يحاول فيها الكاتب فرض هيمنته من خلال نصوصه سيواجه صعوبات عدة تتعلق بقبول القارئ ووعيه ومشاركته للنص. فكل كاتب له طريقته في الكتابة، وله منهجه في استشعارها، وبالنسبة لي أعتبر الكتابة حالة اتحاد مع الكون، يحصل تناغم وتوطيد للصفاء، وتآلف مع الفكرة والغرق في المتناهي واللامتناهي، ولا يمنع أن الكتابة قد تكون لإثارة الضحك، أو الحزن، للتنوير أو التجهيل، التعاطف أو التخلي، والنتيجة تكون مذهلة، فالقارئ العميق يلمس كل أحاسيس ومشاعر الكاتب، ويحلل ما يكتب ويصدر أحكاماً أيضاً على الكاتب، لذلك هي فكرة مرعبة أن تحس أنك تحت تأمل القارئ، يصيبني الذعر كلما راودتني هذه الصورة، أحاول أن أستجمع أفكاري وتركيزي وأسأل نفسي من هو القارئ؟ وما معنى أن يقرأ لك شخص بعيد قد يكون في آخر العالم؟ ما معنى أن نكتب مشاعر الآخرين بكل شفافية؟ وما معنى أن أكتب وأنا مذعورة؟ أتعجب من تلك المشاعر التي تنتابني كلما هممت بالكتابة، يحضر القارئ أمامي بكل أسلحته ويراقبني وأنا أبني عوالمي ونصوصي، وخوفي يتعمق كلما استشعرت عمق القارئ، وهل فعلاً نصوصي سترتقي لتوقعاته وذائقته؟ هذه المخاوف هي ترمومتر للكاتب ليحتفظ بصدقه ودهشته، ولتكون حافزاً له ليتطور ويتجدد، وهذا يجعله غير مكرر، وروتينياً، فلا تصبح الكتابة عادة يومية يمارسها بل تصبح قيمة فكرية يشحذها من أجل رضا القارئ. فإذا لم يخف الكاتب من التكرار، والتعصب لرأي واحد، وتنميط الذات، وغياب الخيال وصعوبة العثور على الفكرة قد يجعله يصاب بترهل فكري وشيخوخة في الكتابة، وتنعدم محفزات الإبداع لديه، ويصبح رهين الرتابة مما يسبب هروباً للقارئ وعدم التفاعل معه. ولكن فكرة الخوف قد تصنع منك كاتباً رائعاً، وكما يقول نيتشه: «عش في خطر»، هذه الفكرة تجعلك متحفزاً دائماً متيقظاً ونبيهاً للتفاصيل الصغيرة التي قد تحدث فرقاً فيما تكتب، فنحن نحتاج أن نجود الكتابة، وليس الخوف منها فقط هو ما يجودها، فلكل كاتب أسراره وأدواته في الكتابة، وليس هناك وصفات جاهزة لكيفية الكتابة الجيدة، فالكتابة مثل السراب كلما قلت وصلت لها ابتعدت عنك، فلا تستطيع الوصول إليها ولكن تستطيع الإشارة إليها.
مشاركة :