إذا مَا أضعتَ فرحَ القناعةَ لكونكَ حياً فهذا يعني أن المّوتَ الحتمي يتقدمُ داخل رُوحكَ فالأملُ يجب أن يَدومُ حتى عَتباتِ المَوتْ أو رُبَّما إلى ما وراءها إنه عاشقُ غرناطة، سليل تاريخها الماضي كما يقول، بل وصل عشقهُ للأندلس الى درجة أنه يفخر بأن جذوره تعود الى العرب الأندلسيين، لذلك نراه مولعاً بتاريخ الأندلس الغني والعريق. انه انطونيو غالا، الشاعر والروائي والمسرحي الذي يُعتبر من أكثر الكتّاب الإسبان المعاصرين استلهاماً للتراث العربي الأندلسي. ولد أنطونيو غالا في الثاني من اكتوبر 1930م في مدينة قشتالة، وبرز منذ وقت مبكر كشاعر متوهج حيث حصل وعمره 29 عاماً فقط على جائزة «أدوناي» الشعرية. هذا العشق للأندلس دفعه الى كتابة أول رواية له «هي المخطوط القرمزي»، والكتاب الوثائقي «غرناطة النصريين»، ورواية «الوله التركي»، ومسرحيتي «حقول عدن الخضراء» و«الأيام الخوالي الضائعة»، وكان هذا العمل الأخير قد فاز بالجائزة الوطنية للآداب في 1972. وجاءت رواية «المخطوط القرمزي» حينما تبنت «دار بلانيتا» في اشبيلية مشروعاً ثقافياً ضخماً تحت مسمّى «مؤسسة خوسيه مانويل لارا»، يهدف الى المحافظة على الإرث الأندلسي النفيس وتاريخه الأدبي والثقافي. وأتى هذا المشروع الجميل أُكله حتى الآن بصدور 17 كتاباً تتحدث عن 17 مدينة أندلسية شارك فيها عدد من أبرز الأدباء والكتّاب الإسبان. وغطت هذه الروايات والكتب مدناً مثل اشبيلية، قرطبة، غرناطة، جبل طارق، عبيدة، قادش، ألميريا وكارمونا. وكان من بين هؤلاء الأديب والشاعر أنطونيو غالا، الذي كتب «غرناطة بني نصر»، الذي صدر في طبعتين في إسبانيا، وفي طبعة عربية عن دار «ورد» للنشر في سوريا. في المخطوط القرمزي يركّز الكاتب على شخصية أبي عبد الله، آخر ملوك الطوائف ويصفه: «آخر شخصية سكنت هنا- في غرناطة- والتي أدركت أن كل شيء كان قد انتهى»، ويرى أن المسألة تتعلق بشخصية «كل العالم يسكت أو يتكلم بالسوء عنها»، وهذا ما حمله على الحديث عن هذه الشخصية. إن الحس العربي التاريخي داخل غالا جعله يركز في «غرناطة بني نصر» على أهمية التعايش بين الأديان، بين المسلمين والأقليات من يهود ومسيحيين وأندلسيين مسلمين مقيمين في مدن النصارى. ولم يتردد غالا في وصف الملكين فرناندو وإيزابلا بـ«طالبان ذلك العصر»، في حين خاطب العرب قائلاً: «أنتم أجدادي الذين علمتموني وعلمتم البشرية كلها الكتابة، ولولاكم لما كتبت، ولما كنتُ أقفُ هنا». ويقول: «اذا كان هناك مكانُ تركت فيه قلبي، فذلك المكان سيكون قصر الحمراء». نسج غالا علاقة روحية متينة بمدينته غرناطة، هي علاقة تتميز بالكثير من الخصوصية، ولم تعد تلك العلاقة سراً، ويمكن تلمس ذلك في كتاب «غرناطة بني نصر» الذي من خلاله يمكن سبر مكامن صلة غالا بالمكان، تلك العلاقة التي تصل الى حد العشق، وهذه العلاقة جلية بشكل بارز في رواية «المخطوط القرمزي»، حيث يتجسد ارتباطه بالمدينة، وإذا كان يتعين عليه اختيار مكان فسوف يختار من دون تردد مدينة غرناطة، ليس لأنها إحدى روائع العالم، بلا لأنها عشقه الأبدي. ويصف الحمراء بـ«صندوق النفائس، مكان أعود إليه من حين إلى آخر لرؤية كيف هي حالة قلبي ذاك، ولأن قصر الحمراء هو الذي يروي تاريخ بني نصر». Alqaed2@gmail.com
مشاركة :