عاصم حمدان [رثاء إنسان.. أسعد شيرة] لم يكن اسم أسعد شيرة، الإنسان الذي وُوري الثرى في طيبة الطيبة قبل أيّام، غريبًا على مسامع الآخرين، فقد كان ينتمي لجيل سبقنا في النّشأة في الجوار الكريم، إلا أنّه كان بتواضعه وتهذيبه، قريبًا من جميع الأجيال، حيث كان يحسن اختيار عباراته في حديثه مع الآخرين، وخصوصًا مع كبار السنّ، الذين كانوا يدنونه في مجالسهم، ويأنسون إلى حديثه. ولعلّه ورث ذلك وسواه من والده الشيخ حمزة شيرة، الذي كان عمدة لحي باب المجيدي، في وقت كان للعمدة دور كبير ونافذ في حياة النّاس. كما عرفت عمّه الوقور الشّيخ إبراهيم شيرة، الذي كان شيخًا للفراشين في المسجد النّبويّ الشّريف، وكان- رحمه الله- يؤمّ صُفّة مؤذني المسجد، والتي كانت تقع في نهاية ما يعرف بـ»العمارة المجيدية القديمة». وكان من جلسائه شيخ المؤذنين -آنذاك- عبدالله رجب، رحمه الله، والمؤذن المعروف الشيخ بكر خوج، والشيخ بكر عبدالجواد -رحمهم الله جميعًا-. لقد خدم الفقيد وطنه من خلال المناصب التي تقلّدها في البلدة الطّاهرة، ومنها رئاسته لإدارة الأوقاف، ثمّ بعد ذلك تولّى المسؤولية المباشرة على مكتبة المدينة المنوّرة العامة، والتي كانت تقع في الجزء الأعلى من حي المناخة الشّهير، والذي كان لعقود طويلة متنفّسًا للمقيمين والزّائرين للمدينة المنوّرة، والمصلّين في حرمها الشّريف، والمسَلِّمين لمثوى سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصاحبيه رضي الله عنهما وأرضاهما. وكانت من سمات الفقيد -رحمه الله- قضاء حاجات النّاس بكلّ أريحية، مع عدم التعسّف في تطبيق النّظام. وأتذكّر أنّه أثناء دراستي العليا، كان من متضمنات البحث الذي أعدّه، الحصول على نسخة من الديوان المخطوط للسيد جعفر البيتي المُودَعة في مكتبة عارف حكمت الحسيني، فقصدت المكتبة في إدارة الأوقاف، الكائنة بالقرب من باب جبريل، وكان في الأمر شيء من الصعوبة؛ فسهّل -رحمه الله- على العبد الفقير المهمة، وزوّدني بالنسخة الخطّية، ولعلّها من النّسخ التي خرجت مع المخطوطات الأخرى الثّمينة إلى تركيا بإيعاز من حاكم المدينة المنوّرة العسكري في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وأقصد بذلك فخري باشا. وعندما قامت الحرب الكونية توقّفت مسيرة المكتبة عند نهر بردى من بلاد الشام، وأخبرني السيد حبيب أحمد -رحمه الله- ، والذي كان يشغل منصب رئيس مجلس الأوقاف الفرعي بالمدينة المنوّرة لمدّة طويلة، بأنّ إرادة الله حفظت المكتبة من وصول المياه إليها، حتى عادت في الحقبة التالية لموقعها الأساسي في النّاحية الجنوبية من المسجد النّبوي الشّريف. كان من الشّمائل التي اتسمت بها شخصية الفقيد، والدّالة على نبله وكريم خلقه هو احترامه لمن يكبرونه سنًّا. وممّا سمعته عنه أنّه كان في كل نهاية شهر يأخذ «مسيرات» الرواتب إلى منازل الموظّفين الذين يصعب عليهم الخروج، ويسلّمهم رواتب تقاعدهم، وهو يشبه في هذا الباب إلى حد كبير فضيلة الشيخ عبدالرحمن الحصيّن، رحمه الله، كما أخبرني بذلك رجل الفضل الشيخ جعفر بن إبراهيم فقيه -رحمه الله- . كان المرحوم قريبًا من جميع النّاس، لكنّه كان الأقرب إلى شخصية السيد حبيب محمود أحمد، أحد وجهاء المدينة المنوّرة في عصره، فلقد كان يؤمّ مجلسه مساء كلّ يوم، وكان يؤازر الآخرين، وخصوصًا لجهة قضاء حوائجهم عند «أبي أحمد» وسواه. وبموت هذا الإنسان؛ أسعد شيرة، تنطوي صفحة من صفحات الشّمائل الكريمة في البلدة الطّاهرة، عنوانها «النّبل، والشّهامة، والإنسانية».. رحمه الله، وأسكنه فسيح جنّاته. والعزاء لأهله وأسرته وأحبابه
مشاركة :