قضايا ثقافية: جذور الصورة الشعرية

  • 7/14/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في الشعر العربي القديم والحديث وما سيأتي أيضًا في المستقبل القريب أو البعيد العديد من الارتكازات التي تشكل نواة أي قصيدة وهي الصورة. إن هذا المُرتكز يُشكل العلامات الفارقة لقصيدة الشعر أيًّا كان نوعها الموزونة أو المنثورة والمبدع هو من يتمكن السيطرة على تنويع الصور في إنتاجه ولا يكررها وتكون في نهاية الأمر مرتبطة بجوهر القصيدة ومن ثم يكتشف الباحث أو المُحلل صحتها من عقمها. في الشعر أمر مخفيٌّ على المتذوقين الذين يُعجبهم الوزن والقافية لكنهم لا يلتفتون إلى الصور الشعرية ويتغنون بالمعنى الخارجي لكنهم لا يتعمقون في الصورة رغم إنها الثقل الأول للقصيدة أو الإنتاج الإبداعي وبالتالي تضيع الكثير من المعاني الشعرية. وإلى القارئ شيء من نماذج الشاعر أبو تمام الذي قال: «أتوكَ يجرِّون الحديدَ كأنهم سَروْا بجيادٍ ما لهن قوائم» في البيت السابق الكثير من الصور الشعرية ذات المعاني اللغوية فالحديد شيء من أدوات الحرب وبالرغم من كثافته لا يمكن للناظر إليه أن يعرف إن (الجار والمجرور) هم الخيول (الجياد). أما كلمة «سروا» فهي تُستخدم للمشي (سار يسير سر) لكن الشاعر عبَّر عنها بالصورة الخيالية «سروا» أي تخطوا الأرض وصاروا فوقها ولا تظهر أقدامهم للرائي و(الإسراء) هو الارتفاع بالقوة الخارقة غير المرئية. ويقول الشاعر عنترة بن شداد وهو يُخاطب «عبلة» باللهجة الدارجة في ذلك الزمن: «في الماء لمَّا تنظري بِ يبان وجه القمر وع الأرض لمَّا تخطري تهتز أغصان الشجر» لاحظ معي إنه لا يريد أن يقول لها بشكل مباشر إن وجهك كالقمر الجميل لكنه استخدم صورة واستعارها من الماء أي أنه يعني أن الماء «مرآة» وحين تسير على الأرض تتمايل أغصان الأشجار. هذا الفن في الشعر لا يمكنه أن يتكرر في المخلوقات البشرية العاديين ما لم يكونوا قد خُلقت فيهم شرارة الإحساس وإن الخالق العظيم هو من يمنح الشعور ويُوقد النار التي في الهشيم ولولاه لكان كل الناس شعراء. يمكن لأي إنسان عادي أن يستعير الأمثال الدارجة ويستخدمها في حياته اليومية لأنها جاهزة ومتداولة بين الناس لكن الشاعر يختلف لأنه من يصنع ولا يخلق لأن الصناعة غير الخلق. صحيح إن الشعر صناعة ورغم ذلك تكتشف أن من يصنع أو يُنظم ليس كمن يشعر بنار الشعر تُلسعهُ وتكويه وجذور الصورة الشعرية تكمن في الأحياء الذين لا يموتون وهم الشعراء الخالدون الذين تركوا لنا تراثًا لا زلنا نستقي منه الكثير من التحليل والدراسات. أخيرًا سوف استخدم صورًا من شعر مترجم لعمر الخيام وهو شاعر معروف ترجم له الشاعر المصري أحمد رامي و«رباعيات الخيام» أشهر من نار على علم يقول في المقطع الأول: «سمعت صوتا هاتفًا في السحر نادى من الغيب غفاة البشر هبوا املئوا كأس الطلى قبل أن تفعم كأس العمر كف القدر». ورباعيات الخيام كما نعرف ترجمها العديد من الشعراء ومن ضمنهم الشاعر البحريني إبراهيم العريض رحمه الله لكن بمجرد أن تقرأ الأبيات السابقة أو أبيات الديوان سوف يكون بين يديك مئات الصور الشعرية الخالدة. أخيرًا: وفوق كل ذي علم عليم. Sah.33883@hotmail.com

مشاركة :