وُلد الشعر العربي الجميل عبر تجارب محدودة وكانت القصائد تفرض نفسها على المتذوقين وتأسر ألبابهم وتستولي على أحاسيسهم ومشاعرهم ولا تحتاج حتى إلى أن تستأذن أو تطرق النوافذ والأبواب. لقد قرأنا في كتبنا التراثية الشعرية الكثير من المبررات التي ساهمت في موت الجمال الشعري لأن الذين تصدوا لنقد الشعر العربي إما أن يكونون عالة عليه أو إنهم غير قادرين على تحديد القيم الجمالية وبالتالي توقف الشعر بمحض إرادته عن إنتاج الجمال. لا يمكن لأي ناقد في الشعر أن يؤسس مدرسة جمالية بمفرده ما لم يكن الشعر ذاته هو من يفرض الجمال ومن غير المنطقي أن تعصر الحجر وتُفجر من خلاله أبياتًا من الشعر فالناقد والشاعر لا يلتقيان بل لا يتفقان على مفهوم الجمال لكن الذي يفسر الجمال هو الشعر ذاته. إن الشاعر الذي يكدح ويعصر ذاته من أجل أن ينتج شيئًا من الجمال هو أول من يساهم في قتل قصيدته وإن رأت النور فيما بعد فذلك لأنها وُلدت مشوهة وتبرأ منها الجمال الطبيعي أو الفطري. هناك من طرح سؤالاً في غاية العذوبة: كيف ينتج الشعر الجمال في مجتمعات متناقضة لا نظر أو سمع فيها أو بصائر؟. إن الجواب هو الجمال ذاته لأن الشاعر الذي يمتلك الموهبة الفطرية تراه يجمع كل المتناقضات الاجتماعية في سلة واحدة ويعصرها ويصنع من هذا التناقض لوحة فنية ثم يقدمها إلى المجتمع البشري على إنها أشبه بسفينة النبي (نوح) عليه السلام والتي جمع فيها من كل زوجين اثنين إذ إن لو كان هناك من تمرس على إنتاج الجمال الشعري لجعل من هذه السفينة المكتظة بالمتناقضات عَالَمًا واحدًا في قصيدة موحية ولفجَّر في الفن الشعري الكثير من الصور البلاغية التي تجعل القارئ والسامع يذوبان في كأس الحياة من شدة حرارة المضمون وبرودته في نفس الوقت على القلب والبصيرة. إننا اليوم نتسابق من أجل البحث عن جمال جديد في القصائد الحديثة ونقرأ ونطلع لكننا افتقدنا الجمال وأشعر بالقلق الشديد وأتساءل ما السر في اختفاء الجمال الشعري فاكتشفت بمحض الصدفة إن الشمس لا تشرق من جهة الشرق ولا تغرب من جهة الغرب فالمبدع صاحب التجربة الطويلة هو الآخر أدرك في نهاية المطاف إن من يُدير الكون الإنساني لديه القدرات الخارقة في تحويل الشروق والغروب إلى كواكب أخرى وعلى هذا الأساس تولد القصيدة الجديدة دون مخاض طبيعي كما كانت أمهاتنا في الماضي يولدن دون تدخل جراحي. وفوق كل ذي علم عليم. Sah.33883@hotmail.com
مشاركة :