ما يدور الآن حول قانون التقاعد, ومحاولة السير نحو تعديلات عادلة على قانون التأمين الاجتماعي يقع باطلا ولا جدوى منه بالمرة.. ذلك أن البحث في هذه القضية يدور حول النصف الثاني من المشوار الواجب نحو تحقيق العدالة.. في الوقت الذي يوجد فيه نسيان أو تجاهل كامل لنصف المشوار الذي يجب علينا أن نقطعه أولا.. ثم ننظر بعد ذلك في النصف الثاني من الطريق الواجب علينا أن نقطعه على هدى مما يكشف عنه المشوار على نصف الطريق الأول. النصف الأول من المشوار الذي يجب علينا أن نقطعه.. بينما نرى أنفسنا نتجاهله, وأخشى أن يكون هذا التجاهل متعمدا هو: حكاية صناديق التقاعد وما حولها من حيث الطرق والمشاريع المثلى للاستثمار, والطريقة المثلى لإيداع أموال الصناديق في البنوك والابتعاد عن «مهزلة» الإيداع بفائدة 1% أو 1.5% على أحسن تقدير.. كي تحقق البنوك أرباحا خيالية توزع على المساهمين من دون أن يستفيد الوطن أو المواطنون أي شيء وبعيدا عن الضرائب والرسوم!! يجب على المسؤولين أن يضعوا خطة طموحة للاستثمار في الصناعة والعقار وغير ذلك من المجالات الحيوية المهمة التي تدرّ عوائد مالية عالية جدا على أيدي مستثمرين خبراء وأكفاء.. كما يجب أن نبحث في تاريخ ووضعية هذه الصناديق.. ونبحث عن كل فلس تمت الموافقة عبر سنين سالفة على منحه لدعم مشاريع كانت تحت التنفيذ.. أو مشاريع أخرى تعثرت في الطريق.. يجب أن نبحث في: هل تم سداد أو إعادة هذه الأموال إلى الصناديق من عدمه؟! كما نلاحظ أيضا أننا نتوجه الآن بشدة نحو تحميل المواطنين وحدهم والذين هم أصحاب التقاعد الحقيقيون ويمتلكون كل أمواله وكل تبعة أو مسؤولية.. وهذا خطأ كبير.. لذا علينا أن نبدأ في الإصلاح من داخل أو من حول الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي بشكل شامل وجريء من دون أدنى مواراة. المواطنون يتابعون ما يدور وما يقال معصوبي الأعين رغم أن القضية هي قضيتهم والأموال هي أموالهم, حيث إنهم يتابعون على غير أساس, فلا يعلمون شيئا عن حركة المدخرات داخل هذه الصناديق.. أو على الأقل قيمتها الصحيحة وخاصة بعد أن سمعوا في فترة من فترات الزمن من خلال إصدار بيانات صريحة عن حركة احتياطي الصناديق ومدخرات كل من تشملهم مظلة التأمين الاجتماعي.. ثم خيّم الصمت فجأة وبدون أسباب أو مبررات, ولم يعد أحد يسمع أي شيء عن الاحتياطي.. والتعمية تتواصل!! لم يعرف المدخرون.. وهذا حقهم.. الحركة داخل هيئة التأمين الاجتماعي.. أسلوب الوظائف والتوظيف.. حركة وأساليب الإنفاق وغير ذلك من الأمور.. وهذه أيضا ناحية مهمة جدا. المواطن رأيه مستبعد تماما في حكاية بحث مستقبل مسيرة التقاعد.. قد تكون هناك نسبة طيبة من السادة النواب يتعاطفون مع المواطنين ويقفون إلى جانبهم.. ولكن هذه النسبة تعدّ طرفا واحدا ناقصا.. ولكن على الطرف الآخر هناك طرفان قويان لهما مواقف أخرى مختلفة، ويتمثلان في جانب الشورى وجانب الحكومة.. ولكن ما يجعل المواطنين يتقبلون تجاهلهم ويكتفون بمتابعة ما يدور هو أنهم -أي المواطنين والمتقاعدين ومن هم على وشك التقاعد- يعلمون أن قادة البلاد وعلى رأسهم بالضرورة جلالة الملك المفدى هم معهم ومع مصلحتهم والحرص على مستقبلهم قلبا وقالبا, ولا يمكن أن يسمحوا بأي ضير أو غبن أو ظلم يقع على المتقاعدين وأسرهم. هذه المرئيات التي أطلقوا عليها ظلما وعدوانا «مرئيات الحكومة» بينما الحكومة منها براء.. عندما تمعن في قراءتها لا بد أن تشعر وكأنك أمام شخص نقصت الرحمة في صدره.. واستعرض قوته.. وانهال ضربا وتكسيرا على آخر.. وكل همّه أن يسلبه جلّ ما كان يتمتع ويعيش به في كرامة.. إلى درجة أنه لم يبق لديه شيئا ينفعه وينفع أسرته في كرامة! بينما نحن كنا في حاجة إلى هذا الكم من الإبداع لدى واضعي هذه المرئيات.. وهذه القدرات والعبقريات الفائقة لتستخدم في إصلاح النصف الأول من الطريق من أجل النهوض بالهيئة العامة للتأمين الاجتماعي وصناديق التقاعد التي أودعها الشعب أمانته.. بدلا من تكريس كل قوتنا وعنفواننا في النصف الثاني من طريق إصلاح منظومة التقاعد ثم ننهال على المواطن الذي لا حول له ولا قوة أخذا وتنقيصا وتكسيرا في مستحقاته التي ظل ينعم بها سنين طويلة. ولا بأس من أن ننظر فيما هو أبعد.. ننظر في الأسلوب الأمثل لتبعية الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي.. ونفاضل بين أن يكون لمنظومة التقاعد والتأمينات جهاز أو وزارة مستقلة كما هو متبع الآن في كثير من دول العالم.. أو نمعن في البحث عن التبعية الأسلم من خلال تجارب الدول نفسها التي أخذت مؤخرا خيار الأجهزة أو الوزارات المستقلة لمنظومة التقاعد والتأمينات. استعرضت نتائج الاجتماعات المستقلة لكل من جانبي مجلس النواب ومجلس الشورى من أجل نظر ما يسمى ظلما وعدوانا «مرئيات الحكومة».. فكان الساطع في هذه النتائج أن جانب النواب أشار إلى أنه لم ير غير الغموض المدقع في هذه المرئيات.. وإن بحث السادة النواب قد وضع يده أيضا على بعض جوانب الإجحاف في هذه المرئيات.. ويبقى أن المتقاعدين يتمسكون بما أعلنه السادة النواب أن «هذه المرئيات لن تمرّ»!!.. طبعا يقصدون أنها لن تمرّ كما وضعت, بل لا بد أن تشهد تعديلات عادلة وضرورية. أما السادة الشوريون فإن اجتماعهم لم يلوِ على شيء يمكن الوقوف عنده غير أنهم أجمعوا أنهم سيواصلون اجتماعاتهم خلال الأيام المقبلة.. هذا إضافة إلى الإتيان بكلام غامض حول تشكيل اللجنة التي تمثل الشورى في اللجنة الحكومية البرلمانية المشتركة الخاصة بإنقاذ مسيرة التقاعد وحقوق المتقاعدين ومكاسبهم على ضوء توجيهات جلالة الملك المفدى واهتمامات سمو رئيس الوزراء.. والله مع الخيرين والمنصفين.
مشاركة :