يجذبنا الصامتُ دائماً، وكثيراً ما يلفت انتباهنا حين يكون صمته طبيعةً أو عادةً، ويزداد الأمر إعجاباً حينما نراه يتحكم بصمته، ويقيسه قياساً دقيقاً وفق معيار نفسي وذوقي خاص به، إلى درجةٍ لا يصبح الموضوع فيها موضوع صمت فقط، وإنما يتعداه إلى نوع من (الصمت الذكي) الذي قد يبدعه الإنسان على حساب نفسه، وربما أضرّ به كثيراً؛ ولذلك عُرِف عن الصامتين أنهم أكثر عرضة للأمراض من غيرهم. إننا محتاجون إلى ترشيد الصمت، أو التدرب على طريقة (الصمت الذكي) في كل ما يتطلب منا أن نغض الطرف عنه، نحتاج إلى أن نعوّد أنفسنا على الصمت عندما يحتدم النقاش، ويشتد الجدل، نحتاج إلى الصمت عند الغضب، نحتاج إلى الصمت عندما لا يعنينا الأمر، نحتاج إلى الصمت عندما يستودعنا الآخرون أسرارهم، نحتاج إلى الصمت عندما ننزعج من كثرة المهرطقين، والثرثارين، والمتفيهقين، والمتشدقين، والمتقعرين في الكلام. وليس الصمت على إطلاقه بمحمود، فإن على الإنسان أن يقول الحق، وألا يصمت عنه، كما ينبغي على الإنسان أن يشارك بعلمه، ورأيه، ويفيد الآخرين، وهو أيضاً بحاجة إلى أن يروّح عن نفسه بالحديث مع غيره، وإخراج ما في جعبته من هم، أو كدر تحت ما يعرف اليوم ب (الفضفضة) لكن ذلك أيضاً يحتاج إلى تأنٍ، وحذر، وتقدير. ومع هذا كله فإن الصمت في كل الأمور مدعاة إلى الهيبة، وهو مَظِنَّة الاحترام، حتى وإن كان الإنسان أبكماً، فإنه بصمته سيثير الانتباه قبل أن يثير الشفقة، وهذا يعني أن للصمت قيمته الخاصة في التأثير بالإنسان، ولفت انتباهه مهما كانت أشكاله، ولهذا يصبح المرء أكثر جذباً كلما تحكّم بصمته، واستطاع أن يضبط توقيت هذا الصمت ومقداره، ومراعاة ظروفه، وأحواله.
مشاركة :