قضية الشهادات المضروبة والمزوَّرة ليست قضية حديثة عهد على الوسط الأكاديمي، فقد أثيرت هذه القضية منذ زمن، وسوف تظل تثار ما دام هناك وجود لهؤلاء عديمي الضمير الذين يعانون من عقدة النقص ويسعون للتعويض النفسي لستر عقدهم هذه من خلال وجود حرف الدال قبل أسمائهم، ستظل القضية مثارة كذلك ما دامت هناك نخبة من الفاشلين يبحثون على الدوام عن المناصب ويتمنون الحصول على مميزات ورواتب من دون وجه حق، ويصفون الى جنب الكفاءات والمجتهدين ممن أفنوا أعمارهم للحصول على الشهادات الأكاديمية والمستحقين لها بجدارة ويتنافسون معهم، فهذه الفئة المريضة ما زالت تنتعش على وجه الأرض بيننا وتستميت لتقلد المناصب القيادية غير الجديرة بها. ولعل من أكثر القرارات الشجاعة في هذا الميدان هو قرار الحكومة البوسنية، أخيراً، بإلغاء جميع الشهادات الممنوحة للخريجين أثناء فترة الحرب، وذلك بعد اكتشاف وجود تلاعب ورشى قدمت لبعض الأساتذة من أجل الحصول على الشهادة الجامعية في مختلف التخصصات، بما فيها الهندسة والطب والمحاسبة والإدارة والمحاماة والصحافة وغيرها، وللأسف، وكالعادة، للعرب نصيب في هذه المهزلة، فمن بين الذين حصلوا على تلك الشهادات المزورة شباب عرب كانوا موجودين في البوسنة أثناء فترة الحرب، وهم يحملون الآن شهادات مزيفة حصلوا عليها بالمال والنصب والاحتيال، وقد حصل بعضهم على ترقيات في بلدانهم، بل إن خبراء عرباً، طبعا خبراء في النصب، عاشوا في البوسنة، قاموا بتزوير الشهادات هذه وسلموها لهم مقابل مبلغ من المال، والمثير للدهشة هنا هو أن من حصل على هذه الشهادات من هؤلاء العرب لا يتقن الإنكليزية، وقدم بحثه باللغة الإنكليزية، وغير ذلك من التزوير في شهادات التدريب الوهمية المنسوبة لجامعات بريطانية ومعاهد أميركية، ما يشير إلى مستنقع عميق ليس له قرار من التزوير يقوده الباحثون عن سد النقص النفسي من طرف، وعلى الطرف الآخر بائعو الوهم الباحثون عن المال. وفي الكويت، أعيد فتح هذا الملف أكثر من مرة، حيث أغلق منذ فترة ليست ببعيدة بسبب الضغوط النيابية والمصالح الشخصية، وما قد يحويه هذا الملف من فضائح تمس شخصيات مهمة حصلوا على مثل هذه الشهادات، فاستخدمت القوى التغريدية الزرقاء والإعلامية والقيادية المتورطة لتسكير الباب نهائياً من غير رجعة، ولكن نخبة من خيرة الأكاديميين والمغردين وأصحاب الحق أثاروا هذا الملف من جديد، وأعادوه إلى الساحة، مندفعين بكمّ الظلم الذي يعانون منه في الجهات التي يعملون بها، وتعد خطوة فتح ملف الشهادات المضروبة والوهمية خطوة شجاعة، اليوم، من الوزير الحالي، وعمل وطني يستحق عليه كل المساندة والتأييد، وقد تكون معضلة الشهادات الوهمية والمزورة في الكويت أكثر خطورة، حيث إن خطوة الوزير الجديدة بالكشف والتصريح عن التعاون تمت مع المباحث بالتحقيق في الموضوع ونشر نتائجه، التي أشارت إلى وجود موظف وافد متورط في تزوير هذه الشهادات واعتمادها بالنظام الخاص بالتعليم العالي، مقابل مبالغ مالية لأشخاص لم يسافروا أصلاً لتلك الدول التي نالوا منها الشهادات، ولكن الخطوة الأشجع للوزير ستكون بفتح تحقيق واسع ووضع آلية لكشف المزورين ومن نالوا الشهادات، وهم في الكويت وعلى رأس عملهم، بالتعاون مع وزارة الداخلية والكشف عن حركة الدخول والخروج واستقبال البلاغات الخاصة عن هؤلاء الاشخاص بكل سرية، وعقد مؤتمر صحافي من قبل الوزير وتوضيح الأمر بشفافية، وقد تكون الخطوة الأكثر شجاعة هي إطلاع الرأي العام على أسماء أصحاب هذه الشهادات والتحويل للنيابة وسحب المناصب والتسميات الوظيفية وإحقاق المديونيات على أصحابها وإرجاع المال العام المهدور، وللأسف مشكلة الشهادات المضروبة ساهمت في توزيع غير الكفء من هؤلاء على كل المهن وعلى مناصب لا يستحقونها، ممن نطلق عليهم «فاقد الشيء لا يعطيه»، بل وإلى حد الاستماتة لنيل مناصب قيادية في البلد وخارجه، ولعل من أهم الخطوات وأكثرها عدلاً وإحقاقاً هو أن تتم محاسبة من كانوا يمثلون الملاحق الثقافية ويتابعون الأحوال الدراسية للطلبة هناك ويوقعون على اعتماد شهاداتهم. د. دلال عبدالهادي الردعان
مشاركة :