ربما لا يختلف اثنان على أن الإمارات تمر هذه الأيام بأسوأ أزمة اقتصادية ومالية تتعرض لها، فهذا يبدو جلياً وواضحاً للعيان، ولا يحتاج إلى دليل غير الذي يمكن أن يلاحظه أي زائر لأسواق الإمارات، أبوظبي ودبي تحديداً، أو من خلال الأنباء التي أصبحت تتوارد بشكل شبه يومي عن قيام شركات حكومية إماراتية، بعضها سيادي، بالتخلي عن أصولها داخل الإمارات وخارجها، وهي تلهث وراء معالجة أزماتها المالية بحثاً عن السيولة، ولاستعادة الثقة التي فقدتها طيلة الفترة الماضية، وبث الروح من جديد في مختلف أنشطتها جراء حالة الركود التي تواجه معظم القطاعات الاقتصادية في الإمارات بشكل عام.أسوأ ما تعرضت له الإمارات مؤخراً هو ما كشف عنه تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، أشار من خلاله إلى أن صناديق الثروة السيادية في السعودية والإمارات فقدت من قيمتها نحو 1.9 % وبمقدار 600 مليون دولار. ويحتل صندوق جهاز أبوظبي للاستثمار المرتبة الأولى عربياً والثالثة على مستوى العالم بإجمالي أصول تبلغ قيمتها 683 مليار دولار. وإذا ما أضفنا مجموعة تداعيات أخرى إلى هذه المشاكل الاقتصادية التي بدأت تداهم الإمارات اليوم أكثر من أي وقت مضى،، فإن الأمر يصبح من السوء بحيث لا يضاهيه أي سوء اقتصادي أو مالي آخر. أعباء كبيرة ففي الآونة الأخيرة استحوذ بنك سوسيته جنرال الأردن على الأعمال المصرفية لبنك أبوظبي الأول في الأردن، المندرجة تحت اسم بنك أبوظبي الوطني. وبعيداً عن الأعباء الاقتصادية التي يعاني منها البنك، علل بنك أبوظبي الوطني هذه الخطوة بأنها تأتي في إطار عملية مراجعة استراتيجية شاملة لعمليات مجموعة بنك أبوظبي الأول، ونتيجة لعملية تقييم لعروض الشراء لاختيار العرض الأمثل لكل من الموظفين والعملاء. وقبل ذلك، وفي الأردن أيضاً، كانت شركة «أبوظبي للاستثمار» قد اضطرت للتخلي عن حصتها البالغة نسبتها 38 % في ائتلاف «مجموعة المطار الدولي»، صاحبة امتياز إدارة وتشغيل وتوسعة مطار الملكة علياء الدولي في عمان، وذلك مقابل 230 مليون دولار. وكانت أبوظبي للاستثمار قد فازت عام 2007 ضمن ائتلاف دولي بامتياز مدته 25 عاماً لإدارة وتشغيل وتوسعة المطار، بموجب أسلوب البناء والتشغيل ونقل الملكية، بعد منافسة خلال مرحلة تقديم المناقصات. واستكمالاً لمسلسل تخلي الشركات الإماراتية عن أصولها من خلال عرضها للبيع وبأسعار منخفضة جداً مقارنة بقيمتها السوقية الحقيقية في كثير من الأحيان، قامت شركة «إعمار» مؤخراً بعرض سلسلة من أصولها للبيع، في محاولة من الشركة لجمع سيولة هي بأمس الحاجة لها. وعرضت الشركة مؤخراً بيع فنادق وعيادات ومدارس، سعياً منها لجمع سيولة مالية قيمتها 1.4 مليار دولار، بهدف تعزيز ميزانيتها. وتملك حكومة دبي نحو 30 % من أسهم الشركة. حالة الانكماش ووصفت صحيفة «فايننشيال تايمز» خطوة «إعمار» بأنها ردة فعل لحالة الانكماش التي يعاني منها اقتصاد الإمارات. ويبدو أن حالة الانكماش هذه تدفع بشكل متواصل المقيمين في الإمارات، وخصوصاً دبي وأبوظبي، إلى مغادرة البلاد بعد أن فقدوا وظائفهم جراء استمرار تدهور الاقتصاد الإماراتي، وانحداره إلى مستويات متدنية من الأداء لم يسبق أن بلغها في أي وقت مضى. وتأكيداً لحالة الانكماش هذه، كشف تقرير «الثروة العالمية» الصادر أخيراً عن مؤسسة «كابجيميني» الفرنسية، أن أثرياء الإمارات الذين تبلغ قيمة ثروتهم نحو 190 مليار دولار، تكبدوا خسائر قيمتها 5 مليارات دولار خلال عام 2017. وتحت وطأة تدهور الوضع الاقتصادي للإمارات، كانت مصادر كشفت لموقع عربي 21 عن خطة إماراتية تقضي بقيام الحكومة بوضع يدها على جزء من أموال أثرياء الدولة بشكل غير مباشر تحت مسمى مكافحة الفساد. وتم تشكيل لجنة عليا للمصرف المركزي الإماراتي وجهاز أمن الدولة في الإمارات، لحصر جميع حسابات رجال الأعمال وأصحاب الثروات، ولجنة أخرى تحدد لهم نسبة التبرع المالي لصندوق الدولة للدفع بالقوة ومنع تحويل أموالهم للخارج. ضربة كبيرة وهناك قرار ضمني أصدره المركزي الإماراتي مؤخراً يمنع بموجبه أي رجل أعمل من تحويل أكثر من 5 ملايين درهم خارج الإمارات إلا بموافقة المصرف نفسه. وقالت صحيفة «فايننشيال تايمز» إن سوق العقارات في دبي، الذي يعد أحد محركات الاقتصاد الرئيسي فيها، تلقى ضربة كبيرة مع انخفاض الطلب الإقليمي على العقارات منذ تدهور أسعار النفط عام 2014. وتضيف أنه وفي مواجهة هذا التدهور الاقتصادي، قامت دبي في الآونة الأخيرة بتعزيز إنفاقها على مشروعات قطاع البنية التحتية، كما وضعت حداً أعلى للأجور، فيما أعلنت إمارة أبوظبي عن خطة لحزمة تحفيز مالي قيمتها 13.6 مليار دولار. وخلال الأيام القليلة الماضية، أعلن طيران الاتحاد التابع لإمارة أبوظبي عن خطة لبيع نحو 5 طائرات شحن من أسطول الشركة البالغ 10 طائرات مخصصة للشحن. معلوم أن شركة طيران الاتحاد تكبدت خسائر قيمتها 1.52 مليار دولار خلال عام 2017، فضلاً عن خسائر أخرى تكبدتها الشركة عام 2016 وبلغت قيمتها 1.87 مليار دولار. ووفقاً لمواقع صحافية غربية، بدأت أسباب المعاناة المالية لطيران الاتحاد عندما أنفقت الشركة نحو 808 ملايين دولار على استثمارات فاشلة في إير برلين وإيطاليا عام 2017. فضيحة مجلجلة وكانت طيران الاتحاد قد استغنت عن حوالي 4 آلاف موظف خلال عام ونصف، فيما يواجه الموظفون الآخرون مصيراً مجهولاً يتهدد وظائفهم، وخاصة أولئك الذين يتقاضون رواتب مرتفعة. وقبل نحو شهر، أعلنت أبراج كابيتال، وهي أكبر شركة للاستثمار في المنطقة ومقرها دبي، عن تصفية أعمالها على خلفية فضيحة عصفت بها وتتعلق باتهامات إساءة استخدام مليار دولار من أموال صندوق مخصص للرعاية الصحية، يعود في جانب كبير منه إلى مستثمرين عالميين، مثل مؤسسة بيل وميليندا جيتس ومؤسسة التمويل الدولية، ومجموعتي سي دي سي البريطانية، وبروباركو الفرنسية. وقالت شركة ديلويت العالمية إن شركة أبراج اضطرت بسبب معاناتها من العجز المالي إلى خلط أموال المستثمرين بأموالها الخاصة، ما أدى إلى كشف خيوط المشكلة من البداية. ونقلت «فاينانشال تايمز» عن مصادر مطلعة قولها إن هناك مبلغ 100 مليون دولار مفقودة من حسابات المجموعة. وقامت الشركة بالتقدم بطلب لتصفيتها في جزر «كايمان» بعد أن فشلت جهودها في جمع الأموال، عقب عرض مجموعة كبيرة من أصولها وأنشطتها للبيع في أميركا اللاتينية وشمال إفريقيا وتركيا ودول إفريقية جنوبي الصحراء الكبرى. بيانات تختزل الواقع ويواجه مؤسس الشركة عارف نقفي، قضايا عديدة تتصدرها شيكات مرتجعة تقدر بعشرات الملايين من الدولارات. وعارف نقفي هارب الآن من دبي، ولا أحد يعرف مكانه، حيث يحاكم غيابياً في قضايا الشيكات المرتجعة وغيرها من القضايا المرفوعة ضد الشركة. وتخلت أبراج كابيتال عن كامل حصتها في شركة أوراسكوم كونستراكشون في مصر، حيث قامت ببيعها مقابل 52 مليون دولار. وقالت الشركة في وقت سابق إنها ستقلص حوالي 15 % من قوتها العاملة في الوقت الذي تسعى فيه إلى خفض التكاليف. وتدير أبراج حالياً أصولاً بقيمة 13.6 مليار دولار، واستثمرت نحو 8.1 مليار دولار في أكثر من 200 نشاط، ولديها 20 مكتباً حول العالم، بحسب موقعها الإلكتروني. وربما تختصر البيانات التي كشف عنها بنك الإمارات دبي الوطني مؤخراً، واقع الاقتصاد الإماراتي المتدهور والوضع المعيشي الذي تشهده البلاد، حيث قال المشاركون في الندوة أن نحو 94 % من سكان الإمارات يعانون أزمات مالية، وأن 55 % من السكان لديهم قروض باستخدام بطاقات الائتمان، وأن نسبة المتخلفين عن السداد تصل إلى 38 %. وقالت البيانات إن 68 % من سكان الإمارات ليست لديهم مدخرات مالية بحسب دراسة أجراها البنك، وأن 25 % منهم لا يدخرون ولو حتى درهماً واحداً من راتبهم أو دخلهم الشهري.;
مشاركة :