تركت الاكتشافات الحديثة في مجال تقنية الاتصال والمعلومات والمعرفة، ولاسيما خلال العقود الثلاثة الأخيرة أثراً كبيراً على عملية التربية الاجتماعية، فقد وفرت هذه التقنية فرص الوصول إلى مصادر معرفية ومعلوماتية جديدة ومتنوعة.. ورغم تعدد وسائل الإعلام الحديثة إلا أن إنسان العصر يبقى جاهلاً بأخطار هذه التقنية في ظل ذوبان التعامل معها دون وعي أو مسئولية نتيجة سيطرته على كافة أفراد المجتمع مرفِهاً ومعلماً وموجهاً.. فما بين فترة وأخرى يخرج علينا بصورة مختلفة عن سابقتها وبأسلوب وتقنية جديدة متجاوزاً بذلك حدود الجغرافيا وخطوط الزمن ومقتحماً عوالم الإنسان.. مما جعل التربية بوسائلها المتعددة تفقد بشكل تدريجي سطوة التحكم على أرضيتها ليكتسب الإعلام بذلك حظاً وافراً في التأثير على الصغار والكبار على حد سواء. عصرٌ إعلامي بات يبني واقعاً ولا فرار من ذلك.. وإنسانٌ رهينة لكل تقنية إعلامية جديدة تبهره.. ينغمس في التعامل معها دون وعي أو إدراك إلى أن يفلت زمام نفسه ويقع في منزلقات ومخاطر إعلام رقمي أشبه ما يكون بسلاح فتاك لدينه ومجتمعه وأسرته إنْ لم يحسن استخدامه.. إذن كيف نتعامل مع واقع إعلامي رقمي ونحن نرى جميع الفئات العمرية خاصة المراهقين والشباب والأحداث يحملون العالم بكل ثقافاته على هواتفهم المحمولة دون أن نستطيع التحكم كماً وكيفاً في سيل ثقافات مختلفة.. بعضها يتعارض مع ثقافة مجتمعنا وأخرى تغسل الأدمغة وثالثة تعزف على التحريض غير المباشر إلى غير ذلك من أهداف مسمومة ومقصودة موجهة لليافعين والشباب.. تشحن العقول بالأفكار الهدامة وتثير النعرة الطبقية والعرقية.. تشجع العنف والتطرف مما يكون له تأثير سلبي على الأمن العام والسلم المجتمعي. في ضوء ما سبق، وفي ظل التماهي في الإعلام الرقمي.. أرى أننا بحاجة ماسة، وفي هذا الوقت تحديداً لدور فاعل وسريع يرسخ مفهوم التربية الإعلامية عند أفراد المجتمع بكافة فئاته العمرية وخصوصاً الأطفال والشباب.. فالهدف الأساسي من التربية الإعلامية هو حماية الأسرة والأطفال والمجتمع والوطن. ثمة تعريفات متفاوتة ومتباينة لمفهوم التربية الإعلامية إلا أن مضامينها تكاد تكون واحدة وتتمثل في الوعي بتأثير وسائل الاعلام على الفرد والمجتمع وفهم عملية الاتصال الجماهيري فهماً واعياً وشاملاً.. وركائز هذا المفهوم تتمثل في البيئة الأسرية والمدرسية والجامعات والمؤسسات الاجتماعية.. ووسائل الإعلام التي يُرجى منها الشفافية والمصداقية.. هذه جميعها تجتمع في ضرورة إكساب كل متلقٍ الإدراك والفهم الواعي وحسن الاختيار لكل ما يتفق مع مبادئنا وقيمنا وانتمائنا للوطن ورفض كل ما يخالف ذلك. إن عملية تنمية الوعي بالتربية الاعلامية مفقودة في مؤسساتنا التعليمية على اختلاف مستوياتها رغم أن هذه التربية باتت عنصراً مهماً في ظل زخم إعلامي بمضامين لها أيدولوجيات لا تخدم مصالح النشء والشباب.. وتؤثر سلباً على أفكارهم وخلفياتهم المعرفية والثقافية؛ لذلك ومن منطلق ما يتصف به العصر الحالي من تطور سريع في الاعلام الرقمي.. ولخلق جيل واعٍ محصنٍ فكرياً وعملياً ولبناء مستقبل مشرق، ماذا لو أضافت وزارة التعليم ضمن المناهج الدراسية منهجاً يختص بالتربية الإعلامية وربطه بالمناهج الداعمة للسلوكيات الفردية والانتماء الوطني.. لعلنا نرى ذلك على أرض الواقع.
مشاركة :