يواجه لبنان مأزقا سياسيا بعد ثلاثة أشهر من انتخابات تمخضت عن برلمان يميل إلى جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران في ظل عدم وجود مؤشرات على التوصل لحلول وسط من أجل تشكيل حكومة وحدة. وواجهت المفاوضات شبكة من التعقيدات أبرزها كيف يمكن لرئيس الوزراء المكلف سعد الحريري تشكيل حكومة معبرة عن نتيجة الانتخابات وتهدئة مخاوف الغرب ودول الخليج العربية من نفوذ حزب الله في الوقت ذاته. وقال سياسي بارز إن المحادثات في حالة “ركود”. بينما ذكر مسؤول كبير من حزب آخر أنه لا توجد مؤشرات على التوصل لحلول وسط وتوقع أن تكون تلك الفترة “حركة بدون طعمة”. وفاز حزب الله، مع أحزاب حليفة ومستقلين، بأكثر من 70 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 128 في انتخابات مايو أيار على النقيض من انتخابات 2009 عندما فازت الجماعات التي تتمتع بتأييد الغرب والسعودية بالأغلبية. ووصف حزب الله، الذي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية، النتيجة بأنها انتصار “لخيار المقاومة” في إشارة إلى ترسانته من الأسلحة التي استخدمها في صراعات مع إسرائيل وفي الحرب بسوريا. وبعد ذلك تحدث الميجر جنرال الإيراني قاسم سليماني بصراحة أكبر قائلا إن حزب الله فاز. وزادت النتيجة من تعقيد النظام السياسي الطائفي في لبنان، الذي لطالما كان ساحة للصراعات الإقليمية والدولية من خلال حلفاء محليين. فالمسيحيون والدروز والسنة يتنافسون للحصول على حقائب وزارية. وإلى جانب ذلك يسعى حزب الله لتجاوز نطاق دوره التقليدي، الذي كان يلعبه في الصفوف الخلفية، في الحكومة المقبلة. ويريد حزب الله ثلاث حقائب بدلا من حقيبتين في الحكومة كما يريد حقائب وزارية مؤثرة عن تلك التي كان يحصل عليها بما في ذلك وزارات تقدم خدمات. وفي إطار استهداف الجماعة ضمن حملة أمريكية ضد إيران، فإن اتساع نطاق نفوذ حزب الله قد يثير تساؤلات بشأن المساعدات الغربية لبلد يستضيف مليون لاجئ سوري مسجل. كما يمكن أن تحوم الشكوك بالدعم الأمريكي للجيش اللبناني. وقال فراس مقصد مدير معهد الجزيرة العربية في واشنطن إن الانتخابات أثارت معضلة. وقال “لديك نتيجة انتخابات كانت محصلتها أكثر إيجابية بالنسبة لحزب الله وحلفائه. هذه النتائج ينبغي أن توضع في الاعتبار عند تشكيل الحكومة”. لكنه أضاف أن “محاولة تشكيل حكومة لا تلقى ترحيبا في الرياض، ناهيك عن واشنطن قد يكون له ثمن باهظ للبلاد. الحريري يتأنى ومن نواح كثيرة هو في مأزق”. * أسوأ وقت للتأخير اعتاد لبنان على المفاوضات المطولة لتشكيل حكومة. لكن الحريري المدعوم من الغرب وآخرين قدموا أسبابا تدعو للأمل في أن تلك المرة ستكون مختلفة لأن الوضع الاقتصادي صعب. وحذر ساسة من أزمة اقتصادية. ويريد صندوق النقد الدولي أن يرى تغييرات مالية فورية وجذرية لتحسين القدرة على خدمة الدين العام للبنان الذي بلغ أكثر من 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2017. وتمخض مؤتمر للمانحين في باريس في أبريل نيسان عن تعهدات بتقديم مليارات لكنها كانت مشروطة بالإصلاح. وسيتعين على الحكومة أيضا تناول العلاقات مع سوريا حيث رجحت كفة الصراع لصالح الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية المستمرة منذ سبع سنوات ونصف. ويريد حلفاء الأسد اللبنانيون بقيادة حزب الله عودة العلاقات كاملة. وقال المحلل السياسي راجح الخوري إن من الصعب “رؤية حكومة في المستقبل القريب ما لم تحدث مفاجأة عجيبة” وأشار إلى الوضع الاقتصادي قائلا إن التأخير جاء في “أسوأ وقت”. وسلطت الانتخابات الضوء على التغيرات في لبنان والمنطقة بشكل أعم. وتفكك تحالف 14 آذار الذي كان يقوده الحريري، والذي فاز بأغلبية في 2009، بعد هذه الانتخابات. وساهم في هذا التفكك تراجع الدعم السعودي فيما تحول تركيز الرياض على مجابهة إيران في الخليج وليس لبنان. كما تدهورت العلاقات بين السعودية والحريري بسبب التنازلات لحزب الله وحلفائه والتي شملت اتفاقا في 2016 جعل الزعيم المسيحي ميشال عون رئيسا للبلاد وأعاد الحريري رئيسا للوزراء. ووصلت العلاقات بين الجانبين إلى أدنى مستوياتها في نوفمبر تشرين الثاني الماضي عندما احتجز الحريري خلال زيارة للرياض وأجبر على تقديم استقالته. وبعد تدخل فرنسي عاد الحريري لبيروت وتراجع عن الاستقالة. * الاتفاق قد يتم غدا أو بعد عام هيمنت أسرة الحريري على القوى السنية في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. لكنه خسر أكثر من ثلث مقاعده في الانتخابات الأخيرة التي أجريت بموجب نظام جديد. وحقق حلفاء حزب الله مكاسب على حسابه. وشمل هؤلاء ساسة مؤيدين لدمشق بعضهم عاد لتولي مناصب حكومية للمرة الأولى منذ سحبت سوريا قواتها من لبنان في 2005. أما النقطة الإيجابية الوحيدة لصالح معسكر معارضي حزب الله فكانت تحسن أداء حزب القوات اللبنانية المسيحي إذ زاد الحزب عدد مقاعده إلى المثلين تقريبا ليقلص الفجوة بينه والتيار الوطني الحر الذي ينتمي له عون وهو أكبر الأحزاب المسيحية في لبنان. ومن بين أبرز المشاكل التوصل إلى توافق بين مطالب القوات اللبنانية ومطالب التيار الوطني الحر والمنافسة بين الدروز. ويريد القيادي الدرزي وليد جنبلاط الذي كان أحد أعمدة تحالف 14 آذار أن يسيطر حزبه على الحقائب الوزارية الثلاث المخصصة للدروز. لكن طلال أرسلان وهو سياسي درزي منافس وحليف لحزب الله يريد واحدة من هذه الحقائب. ورغم أن السعودية لا تزال أقل اهتماما بلبنان من سنوات مضت، يرى مقصد أن من المرجح أن الرياض لن تود أن ترى القوات اللبنانية وجنبلاط يتعرضان للتهميش. وقال “لا أعلم إن كانت (تلك الرسالة) بُلغت بشكل واضح… ربما هذا ما حدث… لكنني أعتقد أن هذا سيكون افتراضا جيدا من جانب رئيس الوزراء الحريري”. وإلى جانب ذلك يريد حلفاء حزب الله من السنة الذين انتخبوا حديثا نصيبا من الكعكة. وقال سياسي كبير ثالث “المشاكل قد تحل غدا أو خلال عام”.
مشاركة :