| الاحد 12 أغسطس 2018 كما هو الحال بالنسبة لمختلف أنواع وحالات الإدمان، فالاضطرابات المتصلة بالمال هي غالبا ما تدل على ماضٍ مضطرب. غالبا ما تبرز المسائل العالقة من الماضي على هيئة تصرفات مدمرة للذات بشكل متكرر وثابت ويسهل التنبؤ بها، وهي تتمحور بشكل أو بآخر بالمال. ويعاني الأشخاص المصابون بهذا النوع من الإدمان من الضغط النفسي والتوتر والقلق، إلى جانب اختلالات في عديد من مناحي حياتهم. ومن جهة أخرى، يعد المال المصدر الرئيس للصعوبات في العلاقات مع الآخرين، بما في ذلك المشكلات الزوجية والعائلية. وكما ذكرنا في مثال باولو، أدى جشعه إلى طلاقه من زوجته وتحوله إلى شخص غريب بالنسبة لأولاده. عندما نجد أنفسنا عرضة للإسراف، أو التقتير، أو جمع المال والأشياء بشكل مفرط، أو الاقتراض المتسلسل، أو القمار، وغيرها من السلوكيات المرضية، لا بد أن نعود بذكرياتنا إلى مرحلة الطفولة. يوجد بداخل كل واحد منا مسرح، ولكل واحد فينا نصه الخاص بدور المال، الذي تتحكم به ذكرياتنا من أيام الطفولة. لذا، يجب علينا التفكير في ماذا كان يعني المال بالنسبة لأبوينا، وكيف كان تأثيره على سلوكياتهما ومنظورهما للحياة وتوقعاتهما. ومن ضمن الأسئلة التي يتوجب علينا طرحها هو: هل تشاجر أبوينا بسبب أمور مالية؟ هل استخدم أحدهما المال للسيطرة على الآخر؟ ومن ناحية أخرى، هل استخدما منح المال كنوع من إظهار المحبة؟ إن أمعنا النظر بداخل أنفسنا، هل يثير التفكير بالمال لدينا مشاعر القلق، الشعور بالذنب، الغضب، الحزم، القوة، المحبة، أو الفرحة؟ لا شك أن المال وما يصاحبه من أشياء، قد يصبح معيارا نقيم به كيف نرى أنفسنا وقيمتنا. وبالمقابل، تسهم المواد المالية الضئيلة في إيجاد إحساس بالعجز. أي أن المقتنيات المادية وأنماط الحياة تكشف عما في دواخلنا. قد يكون من البدهي القول إننا لسنا حقا أغنياء حتى نمتلك شيئا لا تستطيع الأموال شراءه. يميل الأفراد المهووسين بالمال إلى نسيان أنهم لا يستطيعون شراء السعادة، أو الشعور مع الآخرين، أو التعاطف معهم، وغيرها كثير من الأشياء غير المادية في الحياة. يقول المثل الصيني: المال يمكن أن يشتري لك مسكنا، ولكن لا يمكن أن يجعله بيتا. وعلى الرغم من أن المال يعد سبيلا للوصول إلى أفضل الملذات على وجه الأرض، إلا أنه قد يقلل من قدرتك على الاستمتاع بالمتع البسيطة في حياتنا اليومية. وبكل تأكيد، أن المعنى الذي نمنحه للمال سيحدد الطريقة التي نعيش بها حياتنا وأن قدرتنا على دمج احتياجاتنا العاطفية بالمقتنيات المادية، يعكس بشكل واضح كيف نظهر قيمنا، ومعتقداتنا، ورغباتنا في عالمنا. وفيما نمضي قدما بحياتنا، يتوجب علينا أن نذكر أنفسنا أن أفضل ما في الحياة يتألف من ذكريات ولحظات جميلة، وإن لم نكن قادرين على تقدير تلك الأشياء، ستفوتنا الحياة دون أن ننتبه لها. وبالتالي، أشدد هنا على أن المال لا يستطيع شراء أهم الأشياء في حياتنا، كالوقت، والسعادة، والراحة الداخلية، والمصداقية، والحب، والشخصية، والصحة، والاحترام، والأخلاق، والثقة، والكرامة. وبشكل عام، وفي كثير من الأحيان، يشكل المال حاجزا يحول دون قدرة الناس على إيجاد حياة ثرية لأنفسهم. وبعد مضي أكثر من ألف عام، تحافظ كلمات الفيلسوف الإغريقي أبكتيتوس على دقة معناها: "الثراء لا يعني امتلاك كثير من المقتنيات، بل يعني وجود عدد أقل من الاحتياجات".
مشاركة :