إغلاق قاعدة إنجرليك: واشنطن تملك بدائل جاهزة وأنقرة الخاسر الأكبر

  • 8/15/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

واشنطن – مع اشتداد التوتر بين تركيا والولايات المتحدة، عادت تركيا إلى التلويح بورقة إغلاق قاعدة إنجرليك، القاعدة الجوية الرئيسية للحلف الأطلسي في تركيا والتي تشكل مركزا لعمليات التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، في خطوة يؤكد محللون أن أنقرة هي التي ستدفع ثمنها غاليا في حال أقدمت فعلا على تنفيذها. ويأتي الجدل حول قاعدة إنجرليك في خضم التوتر الصاعد في العلاقات التركية الأميركية. يرتبط التوتر الراهن في ظاهره بقضية القس الأميركي أندريو برونسون المسجون في تركيا، لكنه ليس الخلاف الأول بين البلدين الحليفين، بل يعتبر وفق بعض الخبراء النقطة التي أفاضت كأسا ممتلئة من الأزمات بين واشنطن وأنقرة. يعود جزء من التوتر بين البلدين إلى دعم واشنطن للأكراد في سوريا ورفضها تسليم فتح الله غولن الذي تتهمه تركيا بالتورط في انقلاب صيف 2016 الفاشل. وكلما توترت علاقات البلدين تتكرّر الدعوات والمطالبات عبر وسائل الإعلام المقربة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بطرد السرب الـ39 للقوة الجوية الأميركية من استخدام قاعدة إنجرليك. يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التلويح باحتمال إغلاق قاعدة إنجرليك، التي تعدّ القاعدة الجوية الرئيسية للأطلسي في تركيا، ويحاول ابتزاز شركائه الأطلسيين، وفي مقدّمتهم الولايات المتّحدة، بهذا التلويح بالإغلاق. لكن يؤكد الخبراء أن هذا الابتزاز فقد قيمته وذلك لأنه يتكرر بشكل دعائي، ناهيك عن استعراض الولايات المتحدة لبدائل محتملة في المنطقة، الأمر الذي قد يقلب الطاولة على تركيا ويكلّفها غاليا على صعيد البرامج العسكرية، ما يجبرها على مراجعة خياراتها بعيدا عن الضجيج الإعلامي. وكشفت وثائق نشرتها وسائل إعلام أميركية الأسبوع الماضي أن مجموعة من المحامين القريبين من الحكومة التركية قدّمت مذكرة إلى محكمة أضنة، أقرب مدينة إلى قاعدة إنجرليك، للمطالبة بتوقيف ضباط أميركيين لاتهامهم بالمشاركة في محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا في يوليو 2016. ويذكر المحامون تحديدا بين المسؤولين العسكريين الأميركيين الذين يطالبون بتوقيفهم، قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزف فوتيل. وسعى وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس للطمأنة مؤكدا أن العلاقات بين قوات البلدين لم تتغير. وصرح للصحافة مؤخرا “إننا نواصل العمل بتعاون وثيق”. لكن القائد السابق لقوات الحلف الأطلسي جيمس ستافريديس يرى أن الوضع مقلق وقال متحدثا لشبكة أم أس أن بي سي الأميركية إن “خسارة تركيا ستكون خطأ جيوسياسيا هائلا”، مضيفا “يجدر بنا أن نتمكن من وقف ذلك، لكن يعود لتركيا في المرحلة الراهنة القيام بالخطوة الأولى”. وعبر مدير مركز الدراسات حول الشرق الأوسط جوشوا لانديس عن رأي مماثل مؤكدا أن “تركيا هي التي ستعاني أكثر” جراء الأزمة مع واشنطن، وقال لانديس “أعتقد بقوة أن إنجرليك ستبقى”، مضيفا أن “طرد الولايات المتحدة سيشكل انتكاسة كبرى لتركيا، ولا أظن أن أردوغان يريد ذلك”. رؤوس نووية شيدت الولايات المتحدة قاعدة إنجرليك بجنوب تركيا عام 1951، في أشد حقبة من الحرب الباردة، وهي تستخدم قاعدة خلفية للعمليات الأميركية في المنطقة وتُخزن فيها خمسين رأسا نووية من ضمن قوة الحلف الأطلسي الرادعة، تضمن منذ عقود أمن تركيا. ومنذ اعتداءات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، تؤمن القاعدة القسم الأكبر من المساعدة اللوجستية لعمليات الحلف الأطلسي في أفغانستان، كما تلعب دورا كبيرا منذ 2015 في عمليات التحالف الدولي في العراق وسوريا. لكن في وقت يزداد الوضع اضطرابا في تركيا، يدعو بعض الخبراء إلى الحد من اعتماد القوات الجوية الأميركية على هذه القاعدة، خاصة وأن للبنتاغون بدائل جاهزة وقواعد عسكرية أخرى في المنطقة. وقال ستيفن كوك، من مجلس العلاقات الخارجية، “لست أقول إن علينا قطع علاقاتنا مع تركيا، لكن (…) العنصر الذي يميل الأتراك إلى التلويح به أكثر من سواه، الوصول إلى قاعدة إنجرليك، يفقد من أهميته أكثر وأكثر”. وفي مقالة افتتاحية نشرت على موقع ديفينس وان، دعا الجنرال المتقاعد تشارلز وايلد واشنطن إلى البدء في البحث عن بدائل لقاعدة إنجرليك. وقال الجنرال وايلد “بما أن تركيا أصبحت أقل استقرارا وأقل ودية مع الولايات المتحدة، أجد أن أفضل طريقة للتعامل مع الموقف هي الاستعداد للاستغناء عن هذه القاعدة الجوية”. ونشر مركز بايبارتيزان بوليسي سنتر للأبحاث، الذي يشجع على التسويات بين الجمهوريين والديمقراطيين، على موقعه خارطة للمنطقة أدرج عليها كل الحلول البديلة الممكنة عن قاعدة إنجرليك للعمليات الأميركية في الشرق الأوسط، ولا سيما قواعد جوية في الأردن والكويت. وصدّر المركز تقريره حول البدائل المطروحة لتعويض قاعدة إنجرليك بمقدمة جاء فيها “لأكثر من 50 عاما، اعتمد الجيش الأميركي على قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا إلى حد كبير لأنه كان يقع على أراضي دولة مستقرة وودية. ومع تغير هذا الواقع، يجب أن يتكيف التخطيط العسكري الأميركي وفقا لذلك”. وأشار إلى أن هناك تصورا في أنقرة بأن الولايات المتحدة تحتاج إلى تركيا أكثر مما تحتاج تركيا إلى الولايات المتحدة، معتبرا أن أنقرة برهنت على استعدادها للاستفادة من قاعدة إنجرليك لممارسة الضغط على الولايات المتحدة. خبراء يدعون الولايات المتحدة إلى الحد من اعتماد القوات الجوية الأميركية على قاعدة إنجرليك في تركيا، بسبب تراجع العلاقات بين الحليفين الأطلسيين وذكر أن قاعدة إنجرليك تضم العشرات من طائرات فيرتشايلد ريبابليك أيه - 10 ثاندربولت الثانية، لكن يتم تنفيذ 33 في المئة من عمليات تموين الوقود خارج القاعدة الجوية، وكذلك حوالي 30 في المئة من جميع مهام الدعم الجوي القريبة من الولايات المتحدة. وتعمل الطائرات ذاتية القيادة خارج القاعدة الجوية أيضا. كما يمكن للعديد من المطارات الأخرى أن تلعب دورا مشابها مع احتمال وجود زيادة طفيفة في التكلفة. ويمكن تزويد الطائرات أيه - 10 ثاندربولت (وغيرها من الطائرات) التي تستخدمها الولايات المتحدة في الوقت الراهن في عملياتها ضد تنظيم داعش بالوقود أثناء الطيران لتمكنها من الوصول إلى الرقة من الأردن أو قبرص. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يتم العثور على قواعد أخرى تعمل بنفس الكفاءة، إن لم تكن أفضل، لا سيما أن واشنطن، وفق التقرير الأميركي، تواجه أزمات مستقبلية في منطقة الشرق الأوسط. أزمة الـ إف - 35 يتوقع أن تكلف الأزمة مع الولايات المتحدة تركيا غاليا على صعيد البرامج العسكرية. وسبق أن حظر الكونغرس الأميركي على البنتاغون تسليم تركيا أي طائرة مقاتلة من طراز أف - 35 طالما أن أنقرة لم تتعهد بعدم المضي قدما في محادثاتها مع روسيا من أجل شراء منظومة صواريخ أس- 400 المضادة للطائرات التي يفترض ألا تتمكن من رصد طائرة أف - 35. ويمكن أن تخسر أنقرة الشريكة منذ 2002 في الكونسورسيوم الدولي الذي مول طائرة أف - 35، عقدا مربحا بقيمة 5.1 مليار دولار مع باكستان لبيعها 30 مروحية هجومية تركية الصنع من طراز تي- 129 أتاك. وذكرت نشرة ديفنس نيوز، المتخصصة في القطاع الدفاعي، نقلا عن مسؤولين عسكريين أتراك أن الطائرة تتضمن قطعا مصنوعة في الولايات المتحدة، وواشنطن قد تقرر منع تصديرها إلى تركيا في حال تدهورت العلاقات أكثر بين البلدين. ويبدو أن تركيا تعي جديا هذه التكلفة الباهظة، الأمر الذي يفسر سياسة الشد والجذب التي تنتهجها، فمن جهة تصدر تصريحات تحذيرية، يبدو من لهجتها أنها موجهة أكثر للاستهلاك الداخلي ومحاولة التأثير في الرأي العام التركي القلق مما يجري وتداعياته التي تنذر بالأسوأ في ظل تدهور الليرة، ومن جهة أخرى تنشط القنوات الدبلوماسية التركية لضبط الموازين. وفي مؤشر على حرص القادة الأتراك، رغم التصعيد الكلامي، على عدم السماح بتفاقم الوضع، أعلن البيت الأبيض أن سفير تركيا في واشنطن سردار كيليتش التقى مستشار الرئاسة الأميركية للأمن القومي جون بولتن. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز “بناء على طلب السفير التركي، التقى السفير جون بولتن بسفير تركيا سردار كيليتش في البيت الأبيض، حيث بحثا استمرار احتجاز تركيا للقس أندرو برانسون ووضع العلاقات الأميركية التركية”. لكن لا يوجد ما يشير إلى استعداد الولايات المتحدة للتفاوض مع تركيا بشأن برانسون، في ظل قناعة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى الآن بترك ضغوطه الاقتصادية تلقي بظلالها على الاقتصاد التركي، وضرب عصفورين بحجر واحد: الضغط على تركيا والتقدم في حربه التجارية الأوسع.

مشاركة :