لعل تدخل كندا في شأن داخلي سعودي، يكون مدخلاً لمواصلة الحديث عن اليسار الغربي، الذي كشر عن أنيابه، بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، فقد كان هذا الوحش يتغطى بالقيم الإنسانية، ثم اتضح أنه أشد شراسة من اليمين المحافظ، وغني عن القول إن حكومة كندا الحالية، التي يرأسها جستن ترودو، تنتمي لأقصى اليسار، وهي ذات الأيدولوجية، التي ينتمي لها رئيس أمريكا السابق، باراك أوباما، وجون كيري، وهي أيدولوجية تطبق «المثالية»، بدلاً من «الواقعية» السياسية، وهي فلسفة أثبتت فشلها الذريع، بعد ثماني سنوات عجاف، أمضاها أوباما بالرئاسة، امتهن خلالها التخبط والتردد حيال القضايا العالمية الكبرى، فترك وراءه إرثاً ثقيلاً من المشكلات، وملايين القتلى والمشرّدين، وأسوأ من كل ذلك، أضعف الدور الأمريكي، كقوة عالمية تعيد التوازن لهذا العالم الذي نعيش فيه. تؤكد تجربة أوباما في الحكم، وبعده تلميذه النجيب في كندا، جستن ترودو، أن ممارسة السياسة فن شائك ومعقد، وموهبة فطرية، لا علاقة لها بالعلم والمعرفة النظرية، ولو كان الأمر خلاف ذلك، لكان أوباما، المثقف الذي يحمل شهادة الدكتوراه في القانون، واحد من أفضل الزعامات العالمية، وتكمن ماهية فشل السياسي المثقف والمثالي، في حقيقة أن هذا العالم بالغ التعقيد، ولا يمكن أن تحكمه المثاليات، وعندما نعود لسياسيات أوباما المثالية، نجد أنه أحدث شرخاً بالغاً في علاقات أمريكا بالمملكة، وهي العلاقات التي استمرت عقوداً طويلة، تحكمها تفاهمات مشتركة، تحت مظلة الواقعية السياسية، وعندما حرف أوباما المسار، كزعيم يساري مثالي، كادت الأمور أن تفلت، لولا خروجه من البيت الأبيض! سياسة أوباما المثالية حرفت، أيضاً، مسار التعامل مع إيران، إذ أعتقد أن بإمكانه أن يُرَوِّض ملالي طهران عن طريق السلام، ولو كان واقعياً، لأدرك أن نظاماً تحكمه أيدولوجيا فاشية، لا يمكن أن يجنح للسلام، ولو جنح مكرها، فإنه سيعود لممارسة دوره العدائي والتوسعي، وكان من نتيجة ذلك أن ورّط أمريكا باتفاق نووي مجحف، وخضع لابتزاز مشين، وصل الأمر فيه درجة اعتقال إيران لجنود أمريكيين وإذلالهم، فلم يحلم حكام طهران بمعشار ما حصلوا عليه من هذا السياسي اليساري، الذي يعتبر رمزاً للمثالية السياسية في أسوأ صورها، ثم فاز جستن ترودو برئاسة وزراء كندا، واقتفى أثر أوباما، بل زايد عليه، في مثالية سياسية لا تكترث بالشعب، قدر حرصها على صنع الضحيج، وليت هذا الضحيج يتم وفق القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية، ولكنه يتم خبط عشواء، وبالتالي تكون نتائجه مدمرة، وهذا سيكون موضوع المقال القادم. نقلا عن "الجزيرة"
مشاركة :