المشهد السياسي العراقي في ظل حكم مجموعة عملاء ملالي طهران يفرز كل فترة ومرحلة مشروعًا سياسيا جديدًا في محاولة للخروج من وحْل الأزمات التي عاشوها منذ أن تسلطوا على مقدرات الشعب العراقي العربي الصابر. وزارة العبادي الحالية التي اعتمدت المحاصصة الحزبية وأصبح شغلهم الشاغل المصلحة الخاصة وليس خدمة الشعب العراقي وتلقي التوجيه السياسي المباشر لتشكيل الكتلة الأكبر للمندوب السامي الإيراني قاسم سليماني والذي حل مكان بريمر في تسيير العملية السياسية وللأسف من دون اعتراض أو استنكار من أي سياسي عراقي، بل الأغلبية تتلقى تلك التعليمات بالترحيب والقبول. وإثر انتهاء تصديق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات والبدء بتشكيل الكتلة الأكبر وترشيح رئيس الوزراء من هذه الكتلة الجديدة، والتي يشعر المواطن العراقي بأن الإرادة الإقليمية ممثلة بالجارة إيران ودوليا بالضغط الأمريكي، والذي يركز في اتصالاته لاختيار شخصية مستقلة قوية بعيدة عن محيط النفوذ الإيراني. والمراقب الإعلامي للمشهد السياسي في بغداد الرشيد يلاحظ تحركات السفير الإيراني واجتماعاته مع رؤساء الكتل الحزبية العراقية والمسؤولين بالسلطة العليا، وبصورة علنية بعيدة كل البعد عن النشاط الدبلوماسي، وكان ضمن هذه الاجتماعات لقاؤه بممثل هيئة الأمم المتحدة في العراق للتباحث معه حول تشكيل الوزارة الجديدة واختيار رئيس الوزراء إثر تشكيل التكتل البرلماني الجديد. كل هذا التحرك السياسي لسفير دولة أجنبية ولا يتجرأ أحد من الساسة العراقيين على الاعتراض عليه واتهامه بالتدخل في الشأن العراقي الداخلي، وتخيل قارئي الكريم لو صرح سفير عربي في بغداد حول أي شأن سياسي عراقي لأقام عملاء طهران الدنيا ولم يقعدوها؟! تتجه بوصلة النشاط السياسي للكتل الفائزة في الانتخابات الأخيرة نحو رغبة ملالي إيران وأصدقائهم في العملية السياسية في المطبخ الخلفي لصنع القرار العراقي وممثلهم المقرب السيد نوري المالكي رئيس كتلة سلطة القانون، وقد حصلت كتلته على 24 مقعدًا برلمانيا، واستطاع إقناع عدد كبير من أعضاء كتلة النصر التي يترأسها رئيس الوزراء حيدر العبادي، وأبرز هذه الشخصيات المنحازة السيد فالح الفياض رئيس الأمن الوطني والحشد الشعبي ومعه أكثر من عشرين نائبًا في البرلمان الجديد، وقد توج المالكي مساعيه لتشكيل الكتلة الأكثر عددا برلمانيا، وبدعم معلن من طهران، بإقناع المحور الوطني برئاسة أسامة النجيفي وسليم الجبوري وخميس الخنجر بالائتلاف مع التكتل الجديد الذي يسعى المالكي إلى تأسيسه والمكون من الفتح برئاسة هادي العامري وكتلة فالح الفياض المنشقة عن النصر والاتحاد الكردستاني مع الكتلة السنية المحور الوطني. وتدور أسماء عديدة من أروقة هذا التكتل ومنهم هادي العامري رئيس فتح ممثلة منظمة بدر والحشد الشعبي، وفالح الفياض وزير الأمن الوطني، وقد يعود نوري المالكي في اللحظة الأخيرة إلى ماراثون ترشيح رئيس الوزراء كحل توافقي تفرضه حكومة طهران على أنصارها في بغداد. من جهة أخرى، لا يزال صوت المتظاهرين عاليا ومدويا بالمطالبة بالإصلاحات الجذرية في التشكيل السياسي وإعادة صياغة الدستور وتشكيل حكومة عابرة للطائفية لتحاسب المفسدين من الساسة الذين سرقوا أموال الشعب العراقي ولا يزالون قادة للتكتلات السياسية المتصارعة على السلطة والعودة ثانية لتسلم الحكم، من دون حساب على فسادهم الواضح، وقد أصموا آذانهم عن مطالب المتظاهرين والرافضين لوجود الفاسدين داخل محيط العملية السياسية من دون تقديمهم للقضاء. السيد مقتدى الصدر الرقم الأصعب في المنظومة السياسية العراقية رئيس كتلة «سائرون» الفائزة بالأكثرية الرقمية في الانتخابات الأخيرة والذي يحاول التخلص من الطوق الإيراني بتشكيل كتلته من تيارات قومية عربية ومنظمات وطنية مع قبول الحزب الشيوعي العراقي كجزء في كتلة «سائرون» يقع في دائرة الشكوك الإقليمية ممثلاً بملالي طهران وشعورهم برغبة الصدر في الابتعاد عن سيطرة قاسم سليماني والسفير الإيراني، ومن جهة أخرى يجاهر بعدائه للوجود الأمريكي ويدعو إلى إخراجه بالمقاومة المسلحة، لذا فهو غير مقبول إيرانيا وأمريكيا، ويحاول جاهدًا إقناع كتلة الحكمة برئاسة عمار الحكيم والوطنية بزعامة الدكتور إياد علاوي والنصر والتي أسسها الدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء الحالي والذي تدعمه أمريكا وبعض دول الجوار العربي والتركي لتولي الوزارة لمرحلة ثانية. الصراعات السياسية الملتهبة المنتظر تزايد لهيبها بعد إجازة العيد وتكون البداية لمسك اللعبة السياسية من الأصابع العديدة المشتركة بما يسمى الكتلة الأكبر والتي سيخرج من جرابها المرشح الجديد لمنصب رئيس الوزراء ويبدأ صراع الشارع مجددًا وهذه المرة أثقل من بدايتها في التظاهر من أجل الماء والكهرباء، بل سيتحول شعار التظاهر وبقوة أكثر من أجل تغيير النظام ومحاكمة كل الفاسدين من رجال السياسة المشتركين في العملية السياسية، وسيضع الزعيم الأكثر تأثيرًا على تحريك الشارع مقتدى الصدر أمام الإختبار حين تأكده أن المالكي يسعى لمنافسته بشكل واضح لتشكيل الكتلة الأكبر، ويبدأ موسم التظاهرات المليونية، ليس في بغداد وحدها، بل ستتحرك التظاهرات والاعتصامات في محافظات الجنوب والوسط العراقي. الدعوة لوزارة الأغلبية السياسية بمنظور المالكي وأتباعه دعوة حق يُراد بها باطل، فهي ليست للاتجاه نحو تنفيذ الإصلاحات الخدمية ومحاربة الفساد والإرهاب وفرض سلطة القانون، بل إن هدفها التخلص من الشركاء السياسيين الممثلين للكتل المعارضة للنفوذ الإيراني المتسلط على القرار السياسي العراقي في هذه الفترة الحرجة التي يمر بها العراق داخليا بعد قرب إعلان إفلاس خزائن الدولة وعجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين على مدى أكثر من تسعة أشهر، وهي محاولة للتقاطع المستمر مع حكومة كردستان في واردات البترول المنتج منها، وأخيرًا وليس آخرًا مسؤولية تخليص العراق من تداعيات تخريب إرهاب داعش لمدينة الموصل بعد أن كان المسبب الرئيسي لها المالكي رجل إيران وعميلها الأول، والخشية من الاتجاه نحو إعلان الإقليم السني في المنطقة الغربية من جغرافية العراق ولمطلب المالكي بتشكيل حكومة أغلبية سياسية طائفية بإشراف حزب الدعوة الحاكم تحت مسمى التكنوقراط من مجموعة مهنية من الصف غير المعروف إعلاميا من المؤيدين لحزب الدعوة وملالي طهران وقُم لتمرير كل المشاريع المطبوخة في فرن إيران. العراق لن يرى نور الإنقاذ الوطني والتخلص من النفوذ الإقليمي والدولي إلا إذا ابتعدت جميع الكتل المتناحرة من أجل المناصب ونهب المال العام عن المشهد السياسي، وتسلم القوى الوطنية المخلصة مقود السلطة وتخليص الشعب العراقي الشقيق من الفساد والفاسدين والعمل على فك قيود النفوذ الإيراني والأمريكي المزدوج عن عنق الدولة العراقية، وإعادة إعمار اقتصاديات البلاد ومحاسبة كل من خان الشعب العراقي وسرق آماله وتساهل في رهن قراره السياسي لأي جهة أجنبية كانت، وأخيرًا العمل الدبلوماسي الوطني الجاد نحو إصلاح العلاقات السياسية مع دول الجوار الإقليمي والعودة إلى البيت العربي مرحبًا به من كل أشقائه العرب. { عضو هيئة أمناء منتدى الفكر العربي عضو جمعية الصحفيين السعوديين
مشاركة :