موازين القوى تتشكل من جديد داخل البرلمان التونسي

  • 8/25/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تدفع المعارك التي من المنتظر أن يشهدها مجلس النواب التونسي قريبا وفي مقدمتها معركة الإطاحة بحكومة يوسف الشاهد، نحو إعادة تشكل القوى وهو ما تعكسه ولادة كتل جديدة وتقلص كتل أخرى تونس – يعود الحديث من جديد ليدور حول ما بات يُعرف بصراع القصبة-قرطاج، أو معركة الإطاحة بحكومة يوسف الشاهد بصيغ تبدو مختلفة في أدواتها، وإن كانت متشابهة في أبعادها السياسية وتطورات أحداثها التي تعكس حجم المأزق الذي تعيشه البلاد، خصوصا وأن موازين القوى طرأت عليها الكثير من العوامل التي تدفع نحو تعميق الأزمة. ولم تتمكن الإجازة البرلمانية والسياسية التي دخلتها البلاد منذ الثامن والعشرين من شهر يوليو الماضي، من وقف هذا الحديث الذي زادت وتيرته على وقع تحركات واتصالات ومشاورات وصلت إلى حد إعلان عدد من النواب البرلمانيين عن عزمهم تشكيل كتلة نيابية جديدة. وفي بيان حمل تواقيع النواب مصطفى بن أحمد ونورالدين المرابطي وأنور العذار وسهيل العلويني، أعلن هؤلاء النواب أنهم سيعقدون الاثنين القادم، مؤتمرا صحافيا يتم فيه الإعلان رسميا عن “مشروع الكتلة الموحدة والخطوط العريضة لبرنامجها وأهدافها”. ولئن أحاط هؤلاء النواب أهداف هذه الكتلة الجديدة بنوع من الغموض السياسي المقصود، سارع النائب وليد جلاد إلى الكشف عن هدفها الرئيسي المتمثل في توفير حزام برلماني لرئيس الحكومة الذي تُطالب غالبية الأحزاب برحيله باستثناء حركة النهضة الإسلامية. وتتمسك الحركة بيوسف الشاهد لاعتبارات أملتها حسابات المرحلة في علاقة بمستقبل توافقها مع حركة نداء تونس، وبالاستحقاقات الانتخابية المُقررة في العام 2019. وقال جلاد في تصريحات بثتها الخميس إذاعات محلية، إن هذه الكتلة “ستُساند يوسف الشاهد، وإنها تتكون من نواب عرفوا بمواقف داعمة ومساندة للحكومة من أعضاء الكتلتين النيابيتين ‘الوطنية’ و’الحرة’، وعدد من النواب المستقلين ومن كتلة حزب الاتحاد الوطني الحر”. وتوقع أن تضم هذه الكتلة النيابية الجديدة ما بين 35 و40 نائبا، لتكون بذلك “القوة البرلمانية الثالثة بمجلس نواب الشعب”، بعد كتلتي حركة النهضة الإسلامية (68 نائبا)، ونداء تونس(55نائبا)، ما يعني إعادة تشكيل موازين القوى داخل البرلمان الذي يتوزع نوابه الـ217 حاليا، على 8 كتل نيابية، إلى جانب المستقلين. وينظر المراقبون إلى هذا التطور الجديد على أنه مُقدمة لعملية فرز سياسي خاطئ من شأنها تقويض وإضعاف القوى الديمقراطية بما يخدم حركة النهضة الإسلامية، ذلك أنه يقوم بالأساس على دعم رئيس الحكومة في معركته مع حركة نداء تونس، وليس على قاعدة الفرز بين المشاريع السياسية المُتناقضة. حركة نداء تونس وصلت إلى قناعة متأخرة بأن التوافق مع النهضة والاستثمار السياسي فيه يراكم من مأزقها الداخلي وعبّر وليد جلاد الذي لا يُخفي دعمه لرئيس الحكومة، عن ذلك بوضوح، عندما استبعد حركة نداء تونس من الكتلة الجديدة، قائلا في تصريحاته، إن حركة نداء تونس “ليست معنية بهذه الكتلة باعتبار أنها بصدد التباحث مع كتلة مشروع تونس لتكوين جبهة برلمانية جديدة”. ويتضح من خلال هذه التطورات، أن السيناريو المرسوم لهذه الكتلة الجديدة هو إعادة خلط الأوراق داخل البرلمان على وقع المتغيرات التي بدأت تفرض نفسها، منذ دخول حركة نداء تونس في عملية ترميم لشقوقها أملتها حسابات سياسية بدأت تأخذ مشهدا مغايرا. ويتجلى ذلك في المسافة الواسعة التي قطعتها حركة نداء تونس باتجاه الابتعاد عن حركة النهضة الإسلامية، والاقتراب كثيرا من الأحزاب التي انشقت عنها. ويعكس هذا الابتعاد عن حركة النهضة إشارات سياسية واضحة إلى أن “التوافق” الذي كان يجمع بين الحركتين، قد فقد مهمته الوظيفية سياسيا، ولم يعد من المجدي الاستمرار فيه، حيث استنفذ مُقوماته، وبات ومن غير المقنع الإبقاء عليه في ضوء المتغيرات التي جعلت منه عبئا يُثقل حركة نداء تونس. وينسحب ما يتعلق بالتوافق على الكثير من الأوراق الأخرى التي تسعى حركة نداء تونس إلى تجميعها لرسم مشهد جديد. وتعيد هذه الخطوة إلى الأذهان ما تم من تفاصيل في معارك سابقة مع حركة النهضة، رغم التباين الحاد في الحسابات والمعادلات، باعتبارها تعيد رسم الخط الفاصل بين مرحلتين، أي مرحلة ما قبل التوافق، ومرحلة التوافق، وذلك وفقا لعملية مراجعة لأوراق القوة والضعف التي بدأتها حركة نداء تونس. ويبدو أن هذه المراجعة التي بدأتها منذ أن خسرت جولتها الأولى في معركة الإطاحة بيوسف الشاهد، أوصلتها إلى قناعة مُتأخرة بأن التوافق مع حركة النهضة، والاستثمار السياسي فيه يراكم من مأزقها الداخلي، ويضاف إلى أعبائها السياسية والتنظيمية لا سيما في هذه المرحلة التي باتت فيها الاستحقاقات الانتخابية على الأبواب.‏ وكان لافتا في عملية المراجعة هذه، عودة رضا بالحاج إلى صفوف حركة نداء تونس بعد أن استقال من الحركة التي أسسها، في أعقاب انشقاقه عن حركة نداء تونس، أي حركة تونس أولا، والدخول في مفاوضات لتشكيل تحالف سياسي وبرلماني تحت اسم”اتحاد نداء تونس”. ويُرجح أن يتم الإعلان عن هذا التحالف السياسي الجديد في مطلع الشهر القادم، على أن يجمع الأحزاب التي انشقت عن حركة نداء تونس، منها حركة مشروع تونس برئاسة محسن مرزوق، وحزب المستقبل برئاسة الطاهر بن حسين، وحزب بني وطني برئاسة سعيد العايدي. ويتطلع هذا التحالف السياسي المُرتقب إلى تشكيل كتلة نيابية تتألف من أكثر من 70 نائبا، لتكون بذلك الأولى في البرلمان، بما يكسر تغول حركة النهضة، ويُفقدها قوة التأثير المباشر، استعدادا للمعارك القادمة، ومنها معركة الإطاحة بالحكومة ومعركة تمرير مشروع قانون المساواة في الإرث الذي قرر الرئيس السبسي عرضه على البرلمان. ومع ذلك، تدفع هذه التطورات المتلاحقة بالمزيد من التعقيدات لأن السعي إلى محاولة تغيير موازين القوى عبر خلط الأوراق، أو المراهنة على أخرى قد تعيد رسم معادلات الاشتباك السياسي على أسس لا تتماشى مع الرهانات المرسومة، خاصة وأن الحسابات لم تستقر بعد، ولا يمكن الحسم بنتائجها ومقارباتها السياسية.

مشاركة :