لنا ان نحلم ونتكلم ونتخيّل كويتا جديدة كما نريد، ولكن من دون ان نهتم بالتعليم وبالمعلّم جدّيا فلن تتحقق رؤيتنا على النحو الذي يرضينا. فالتعليم وتخريج جيل محب للعلم والتنمية هو أول خطوة باتجاه نهضة الكويت وريادتها. والحديث عن التعليم شائك ومعقّد وتدخل فيه اطراف متشابكة كثيرة، ولكن اركز على المعلّم تحديدا لأن الذي بيده أن يلهِم أو أن يُحبط، وأن يحفز أو يقتل في طلبتنا حب التعلم مدى الحياة هو المعلّم. فماذا نريد من المعلّم؟ نريد من المعلّم ألا يألف التدريس بحيث تتحول حصته إلى مجرد «عرض مسرحي» يقوم فيه بدور المؤدي الوحيد. وللأسف، فعدد كبير من المعلمين يرى ان مهنته في التعليم مجرد وظيفة لجلب الرزق، وليس لإلهام الطلبة وتطوير عقولهم وأفكارهم. ونتوقع من المعلّم أن يتحدى نفسه، ويجدد باستمرار في طريقة أدائه وعرضه ليس فقط لأن طلبته تتغير، ولكن لأن ايقاع العصر يتغير، وما كان يجذب بالأمس قد يصيب بالملل اليوم. يتطلب هذا التجديد رغبة داخلية من المعلّم أولا، ودورات تدريبية، وقراءة مستمرة في طرق التدريس المبدعة. ونريد من المعلّم ان يكرّس في طلبته ثقافة «التعليم المستمر» أو «التعليم مدى الحياة» ويلهمهم فكرة أن التعليم لا يهدف إلى الشهادة أو الوظيفة أو المكانة الاجتماعية أو الزواج فقط، وإنما هو منهج حياة، أو الماء الذي إن توقفنا عنه توقفنا عن النمو. وافضل طريقة لتكريس هذه العقلية هو ان يرى الطلبة هذا الاتجاه في المعلّم نفسه، أن يروا المعلّم الذي يجدد في معلوماته، ويجدد في طريقة شرحه، ويجدد في طريقة اختباراتِه…إلخ. ونريد من المعلم ان يصنع لنفسه بيئة محفّزة وألا يتعلل بالأنظمة واللوائح، وأن يبحث عن اي فرصة لتطوير نفسه باستمرار، وان لم يجد العون أو الدعم الكافي من مدرسته أو إدارته التعليمية، فعليه ان يجعل لنفسه وقتا للقراءة والتأمل والتخيل، وألا يهدر وقته في المجاملات الاجتماعية والقيل والقال، لأن التدريس يهدر طاقة المعلم، وإن لم يجدد أو يشحن هذه الطاقة بالعزلة والقراءة والتفكّر، فإن عمله سيتحول إلى مجرد روتين من الملل والرتابة. ونريد من المعلم ان يتعامل مع طلبته بمودة ورحمة ورفق، فجيل اليوم غير جيل الأمس، وهناك طلبة مثقلون بمشاكل نفسية وأسرية واجتماعية أثرت في تركيزهم وأدائهم داخل الفصل وخارجه. ويتطلب هذا التحوّل إلى شيء من الحكمة والصبر عند التعامل معهم، بدلا من القسوة وسرعة الانفعال. (يتبع) أ. د. هشام العوضي @Hesham_Alawadi
مشاركة :