ذكرت في المقالة السابقة اننا نتوقع من المعلم أن يحفّز في طلبتنا عقلية «التعليم المستمر» و«التعليم مدى الحياة»، وأن يكون قدوة في هذا من خلال تطوير أدائه، وعدم الخضوع للروتين والرتابة في طريقة تدريسه. وشددت على أهمية ان يتعامل المعلم مع طلبته برفق ورحمة، لأن عالمهم تغير عن عالمنا، وايقاع العصر السريع يحتاج من المعلم الصبر والحكمة داخل الفصل وخارجه. إننا نريد من المعلّم ان يستحضر ان مهمته عظيمة وراقية، وبالتالي ينأى بنفسه عن الاهتمامات الصغيرة التي تستهلك طاقته وسمعته، مثل التورط بالواسطة، وتفضيل طالب على آخر على أسس شخصية وفئوية مقيتة. ويتجنب الشللية بين زملاء العمل، والقيل والقال والشجار الذي يحدث بين زميل وآخر، فهذا يستنفد طاقة المعلم، وينحرف به عن هدفه التربوي والتعليمي السامي. ونريد من المعلم ان يتوسم في طلبته الخير بدل التشكي المستمر من هبوط مستواهم العلمي والأخلاقي، فالكثير من العباقرة لم يكونوا بالضرورة من الطلبة المتفوقين، ومع هذا عبّروا عن ذكائهم لاحقا نتيجة معلم ما آمن بقدراتهم الحقيقية، بعيدا عما كانت تفصح عنه نتائج الاختبارات والشهادات. ونريد من المعلم ان يتسم بين طلبته بصفات، اهمها التواضع، لأن الاحتكاك المستمر بالطلبة، الذين بطبيعة حالهم، لا يعرفون أكثر مما يعرف المدرس، قد يولّد حالة مفرطة من الثقة بالنفس لدى المعلم توصله إلى الغرور، وإلى ازدراء الطلبة، خاصة الضعاف منهم. كما ان ثقة الطلبة المفرطة بالمعلم قد تجعل اعتذار المعلم عن خطأ ارتكبه في سلوكه أو في معلوماته أمراً شاقاً على النفس، اعتقاداً خاطئاً منه أن ذلك ينزل من قدره. ونريد من المعلم المزيد من التضحية بوقته وجهده مع طلبته، وألا يكون عطاؤه مرتهنا بالماديات فقط، على الرغم من أهمية المادة. وقد تناقلت الأخبار أن معلمة بريطانية وقفت امام بندقية رجل معتوه لتحمي طلبتها وراءها، وتتلقى الرصاص بدلا عنهم، كما نقلت خبر أحد مدربي القفز بالمظلات، الذي اخفق في فتح مظلته، فسقط هو وتلميذه من ارتفاع خمسة آلاف قدم نحو الأرض، وقبل الارتطام بالارض جعل نفسه تحت تلميذه، فتلقى الصدمة بجسمه ومات، وأنقذ تلميذه. وعندما سأل احد الصحافيين الطالب عن آخر كلمات المدرّب، قال: كان طوال الخمسة آلاف قدم يردد: «المعذرة يا عزيزي، المعذرة يا عزيزي». أ. د. هشام العوضي Hesham_Alawadi@
مشاركة :