أحبطت برلين مساعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي لتجاوز الآثار السلبية الناتجة عن العقوبات الاقتصادية الأميركية على بلاده، مشترطة كما واشنطن، إطلاق سراح الألمان المحتجزين لديه كشرط أساسي لعودة العلاقات، فيما يرى محللون أن يأس النظام التركي من تجاوز العقوبات الأميركية منفردا أجبره على اللجوء إلى أوروبا ومحاولة إحياء العلاقات. أنقرة- اشترط وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إطلاق سراح السجناء الألمان المحتجزين في تركيا لعودة العلاقات مع أنقرة التي تواجه انتقادات دائمة بأنها تنتهك حقوق الإنسان والحريات بشكل منظم، ما يقوض مساعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تجاوز آثار العقوبات الأميركية على بلاده من خلال الانفتاح أكثر على أوروبا. و أجرى ماس الذي تواجد الخميس في أنقرة، محادثات مع قيادات تركية رفيعة المستوى في ظل محاولة البلدين تحسين علاقاتهما التي شابها التوتر منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016. و قال ماس إنه سيسعى بقوة إلى إطلاق سراح مواطنيه السبعة المحتجزين هناك لأسباب تراها ألمانيا سياسية، مضيفا “العلاقات الألمانية-التركية لن تعود إلى طبيعتها قبل إطلاق سراح هؤلاء”. وتابع “ليس سرا أن التطور في تركيا، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، يسبب قلقا لنا ويشوب علاقاتنا”. وتدهورت العلاقات بين أنقرة وبرلين بشكل ملحوظ بعد محاولة الانقلاب عام 2016 واحتجاز العديد من المواطنين الألمان والمزدوجي الجنسية في تركيا، حيث تؤكد برلين أن سبعة ألمان أو من مزدوجي الجنسية محتجزون حاليا في تركيا لأسباب سياسية. وتمر تركيا حاليا بأزمة دبلوماسية خطيرة مع الولايات المتحدة لها تأثير كبير على اقتصادها، ويبدو أنها تريد تحسين علاقاتها مع حلفائها الأوروبيين، حيث من المقرر أن يزور أردوغان برلين أواخر سبتمبر الجاري. وتعرضت زيارة ماس لتركيا إلى انتقادات كثيرة في الوسط السياسي بألمانيا، حيث قالت رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب اليسار، سيفيم داجديلين، “بدلا من تحسين سمعة المستبدين والتهامس مع أردوغان، نحن بحاجة إلى تصريحات واضحة تعزز موقف الديمقراطيين في تركيا”، فيما طالب ألكسندر جراف لامبسدورف، نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر، الوزير ماس بتصريحات واضحة ضد الحكومة التركية. وقال لامبسدورف “لقد فعلت تركيا أردوغان في الأسابيع والأشهر الماضية كل ما تستطيع من أجل الإضرار بالعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”، مضيفا ” لقد احتجز أردوغان أتراكا وأجانب كرهائن وجعل الصحافة والقضاء يتحدثان بصوت واحد وتعمد أن يدوس القيم الغربية”. وطالب جيم أوزديمير، العضو بحزب الخضر، وزير الخارجية الألماني بأن يعزز جهوده من أجل السجناء السياسيين في تركيا، قائلا “على وزير الخارجية والحكومة الألمانية بذل الجهد من أجل الألمان السبعة، إلى جانب الأسرى السياسيين الآخرين في تركيا الذين ليس لهم جريمة سوى أنهم يقومون بوظيفتهم كصحافيين أو معارضين أو ينتقدون الأوضاع في تركيا”. واندلعت مؤخرا أزمة سياسية حادة بين واشنطن وأنقرة على خلفية رفض الأخيرة إطلاق سراح القس الأميركي المحتجز لديها أندرو برانسون، ما دفع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى فرض عقوبات اقتصادية على تركيا تشكلت على إثرها أزمة اقتصادية حادة. سيفيم داجديلين: نحتاج إلى تعزيز موقف الديمقراطيين في تركيا بدل الحديث مع أردوغان سيفيم داجديلين: نحتاج إلى تعزيز موقف الديمقراطيين في تركيا بدل الحديث مع أردوغان وانهارت الليرة التركية بشكل غير مسبوق في تاريخها مؤخرا أمام الدولار بسبب العقوبات الأميركية التي تصرّ واشنطن على عدم التراجع عنها ما لم يتم إطلاق سراح القس دون شروط. وقال سفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا إيريك إيدلمان إن “يأس نظام أردوغان” من الأزمة الاقتصادية المقبلة هو الذي أدى إلى إعادة إحياء العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي وتركيا. وأُجبِر أردوغان على التطلع إلى أوروبا للحصول على المساعدات في الوقت الذي يواجه فيه مشاكل اقتصادية تلوح في الأفق وقد تفاقمت بفعل العقوبات الأميركية بسبب استمرار حبس مواطنين أميركيين بمن فيهم القس أندرو برانسون، المعتقل في تركيا منذ أكتوبر عام 2016. وقال السفير، خلال حلقة نقاشية في حرم كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن، إن إدارات أميركية عديدة في الماضي كانت تفكر في ما إذا كانت ستستمر في التعامل مع تركيا كحليف، وفي نهاية المطاف ستتصرف تركيا كأنها بمفردها. ومع ذلك، لا يوجد “تغيير جذري” من جانب حزب العدالة والتنمية الحاكم عندما يتعلق الأمر بنهجه في العلاقات مع الولايات المتحدة. وقال إيدلمان، الذي قارن تحسن علاقات تركيا مع عدد من الدول الأوروبية، إن محاولة الولايات المتحدة مواصلة التعامل مع تركيا بنفس الطريقة التي تتعامل بها ألمانيا وروسيا مع تركيا هي النهج الصحيح، ومع ذلك قال إن الإدارة الأميركية واصلت هذا النهج بشكل خاطئ. وأضاف إيدلمان أن هناك ما يحفّز الأوروبيين على التعامل مع رجل تركيا القوي في أزمات اللاجئين الحالية والوشيكة. وقال السفير السابق إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل “ستدفع أي مبلغ” للإبقاء على تدفق اللاجئين من تركيا إلى أوروبا تحت السيطرة. وكانت تركيا قد وقعت اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي في مارس 2016 يهدف إلى وضع حد لمستوى الهجرة المرتفع نحو أوروبا مقابل 6 مليارات يورو، ووعد بالسفر دون تأشيرة على أساس 72 شرطاً لم يتم الوفاء بها بعد. وأكد نيكولاس دانفورث -وهو مؤرخ وخبير في الشؤون التركية في مركز سياسات الحزبين (مؤسسة بحثية)- أنه سيكون من الصعب على الإدارة الأميركية أن تمتلك نفوذاً على حكومة أردوغان ما دام الرئيس التركي يعطي الأولوية لمصالح نظامه على حساب تركيا. وقال دانفورث “التناقض الكبير مع أردوغان هو أن الولايات المتحدة وأوروبا الغربية والاتحاد الأوروبي لها نفوذ هائل على تركيا لكن ما دام أردوغان يرغب في إعطاء الأولوية لبقائه السياسي على المصلحة العليا للدولة التركية والشعب التركي فإن الولايات المتحدة تملك نفوذاً محدوداً للغاية على أردوغان”. وأضاف أن حكومة أردوغان “تخاطر فعلاً بكارثة اقتصادية” بسبب برانسون، وهي قضية كان من المفترض أن يتم حلها بسهولة.
مشاركة :