ما أشبه الليلة بالبارحة... البارحة كانت في عام (2011م) عندنا اندحرت قوى الشر وخيانة الوطن العظمى أمام إرادة شعب البحرين الوفي التي عَبَّر عنها بعفوية والتفَّ حول قيادته الوطنية الشرعية، مؤكِّداً للعالم أجمَع أن (المعارضة الطائفية) التي قادتها جمعيات سياسية (مرخَّصة)، لا يمكن أن تمثِّل شعب البحرين، خصوصاً بعد أن تبيَّنت أهدافها ونواياها الطائفية الساعية لتشتطير المجتمع لتأسيس (التحالف من أجل الجمهورية) وإسقاط النظام الملكي الدستوري وإقامة نظام ولاية الفقيه الإيراني وسط قلب الجزيرة العربية. إن قراءة سريعة لسير الأحداث قبل وبعد (فبراير 2011م) تبيِّن بلا أدنى شك الأيادي المنهمكة في تحت جنح الظلام من أجل تعميق الطائفية الدينية والسياسية في مملكة البحرين، وتشجيع الخروج على الدستور والقانون وشقّ المجتمع لتنفيذ المشروع الإيراني بالتمدّد والسيطرة على الخليج العربي وتصدير مبادئ الثورة الخمينية التي تبنتها المعارضة الطائفية البحرينية رسمياً في (7 مارس 2011م) عندما أعلَنت عن تأسيس (التحالف من أجل الجمهورية) بهدف إسقاط النظام الحاكم برفع الشعار الطائفي (ارحلوا) وتأسيس (الجمهورية) كنسخة طبق الأصل من نظام ولاية الفقيه في إيران، وذلك في إطار خطة (الفوضى الخلاَّقة) التي أعدَّتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كوندليزا رايس) منذ (أبريل 2005م) لتغيير أنظمة الحكم في المنطقة على الطريقة العراقية، عبر تفتيت الدول العربية إلى دويلات على أُسس دينية ومذهبية وطائفية من أجل نشر الصراع الطائفي تحت شعارات الديمقراطية لتشكيل الشرق الأوسط الجديد، وهو ما صرَّحت به وزيرة الخارجية لصحيفة الواشنطن بوست في (9 أبريل 2005م). ولكي تكتمل مراحل تنفيذ الخطة، وجدت إيران واتباعها من البحرينيين في (لندن) الملاذ الآمن للتخطيط لعملياتهم الإرهابية في ظل التسهيلات التي تقدمها الحكومة البريطانية، والدعم اللا محدود من بعض جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان الأوروبية التي تبذل كل طاقاتها وجهودها للضغط على وفود الدول الأوروبية في مجلس حقوق الإنسان في جنيف لتمرير قرارات باطلة تدين حكومة البحرين دون التواصل مع الوفود البحرينية، في تصرف يعكس اعتماد الدول الأوروبية على معلومات مضللة ومُعدَّة إعداداً يتسق ومصالحها أولاً وأخيراً. وبذلك تغافلت الحكومة البريطانية عن القوانين والاتفاقيات الدولية التي تحكم العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وفتحت المجال لمجموعة من المرتزقة للتجمهر أمام مقر سفارة مملكة البحرين في لندن ورفع الشعارات السياسية المعارضة، ومن أجل مبادئ سياسية وحقوقية تطبقها وفقاً لمصالحها، وفِي هذا السياق السياسي، ضربت بريطانيا علاقاتها التاريخية مع البحرين بعرض الحائط، وتجاهلت أهم بنود اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقَّع عليها في (أبريل 1961م) والتي تحدِّد اطر العلاقات الدبلوماسية بين الدول المستقلة، وامتيازات البعثة الدبلوماسية التي تمكِّن الدبلوماسيين من أداء وظيفتهم دون خوف من الإكراه أو المضايقات من قبل البلد المضيف، وتشكِّل الأساس القانوني للحصانة الدبلوماسية، وتعتبر موادها حجر الزاوية في العلاقات الدولية الحديثة، وتنصّ المادة (22) منها على أن: «تتمتَّع مباني البعثة بالحُرمة، وليس لممثلي الحكومة المُعتَمَدين لديها الحق في دخول مباني البعثة إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة. وعلى الدولة المُعتَمَد لديها التزام خاص باتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة وبصيانة أمن البعثة من الاضطراب أو من الحط من كرامتها، ولا يجوز أن تكون مباني البعثة أو مفروشاتها أو كل ما يوجد فيها من أشياء أو كافة وسائل النقل عُرضة للاستيلاء أو التفتيش أو الحجز لأي إجراء تنفيذي». أما الليلة... فبعد أن استطاعت مملكة البحرين بصمود وتكاتف شعبها تجاوز ذلك الكابوس، وحقَّقت الانتصار على قوى الشر، تحاول فئة ضالة ممَّن قاد ذلك الحِراك الخبيث، إعادة الكرَّة ببثّ سمومها التخريبية بقصد التأثير على العملية الانتخابية المقبلة والتشويش عليها، بادّعاء (الرغبة في استعادة الوحدة الوطنية والمصالحة والبدء الحوار للوصول إلى حل سياسي شامل) بحسبها. إلا أنه وبقراءة جادة للخلفية التي تقف وراء تلك (المبادرة) نجد أنها صادرة عن اجتماعات سرية لجميعات سياسية منحلَّة بحكم القانون، وشخصيات خانت الثقة المجتمعية وسعت للإطاحة بالنظام ورفعت الهتافات والشعارات المناوئة للاسقرار السياسي والأمني في البحرين. فتلك الشخصيات والجمعيات لم تحترم المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى الذي أقرَّه الشعب بنسبة (98.4%) في (14 فبراير 2001م)، والذي تبعه تصديق جلالة الملك على قانون الجمعيات السياسية، الذي جاء ليحقق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البحرين عبر تكوين قانوني للتنظيمات الوطنية، وتعميق الثقافة والممارسة السياسية في إطار من الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والديمقراطية، على أن يكون ذلك كلّه وفق أحكام الدستور ومبادئ ميثاق العمل الوطني. إلا أن ما حدث وما صدر عن تلك الجمعيات خلال السنوات الماضية يُخالف أحكام وروح الدستور والميثاق والقانون، فتلك الجمعيات قامت على أُسس طائفية، وارتبطت بشكل مُعلن بتنظيمات وقوى سياسية خارجية، واستخدمت المنابر الدينية للترويج لمبادئها أو أهدافها، ووجَّهت برامجها لخدمة أغراض طائفية والإضرار بالاقتصاد الوطني والمصالح العامة للدولة، ودأبت على الطعن في شرعية دستور البحرين، وعملت بذلك على زعزعة الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمملكة. فتلك الجمعيات وبكل ما ارتكتبه من مخالفات جسيمة، لا تمثِّل واجهة حقيقية لمعنى المعارضة الوطنية الصادقة والمخلصة، والهادفة للمشاركة السياسية الحقَّة لتطوير وإصلاح المنظومة القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لمملكة البحرين، فكان أمر حلّها بحكم القانون أمراً بديهياً ولا جدال فيه. وعليه، فإن كل ما يصدر عنها باطل، ويتعارض ومبدأ علانية العمل السياسي طبقاً لأحكام القانون الذي يكفل للجمعيات السياسية (المرخصة) حق ممارسة النشاط السياسي المتوافق مع مبادئ العمل الديمقراطي التي رسّخها جلالة الملك المفدى في ميثاق العمل الوطني الذي هو خارطة طريق نحو التعددية والديمقراطية والحكم الرشيد، ومشروعاً وطنياً جامعاً التفَّت حوله كافة القوى والتيارات السياسية، فقدَّم نمطًا جديداً في الحياة السياسية بتعزيز المشاركة في الحكم، وتأكيد دور المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية. المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
مشاركة :