أثار مشروع قرار للبنك المركزي التونسي يقضي بإلزام البنوك التونسية باحترام معيار احترازي للودائع البنكية مقارنة بالقروض، مخاوف في الأوساط المالية التونسية، وحدد ذلك المعيار بنسبة لا تتجاوز 110 في المائة مقارنة بالودائع التي لديها، فيما تجاوزت هذه النسبة لدى بعض البنوك حدود 150 في المائة. وانتقد «المركزي» شح السيولة المالية لدى البنوك، مما أدى إلى اللجوء المكثف إلى موارد البنك المركزي التونسي قصيرة الأجل وجعل البنوك أكثر عرضة لمخاطر تحويل الآجال.وقال «المركزي» إن هذا المعيار الاحترازي سيكون محدودا في الزمن، ليتم تعويضه لاحقا بمعيار السيولة على المدى الطويل بالاعتماد على «لجنة بازل»، وهو معيار يأخذ بعين الاعتبار مخاطر السيولة على أساس المدى الزمني، إضافة إلى مختلف آجال عناصر الأصول والخصوم.ونتيجة لهذا القرار، شهد مؤشر «توننداكس» للسوق المالية التونسية نهاية الأسبوع الماضي تراجعا بنسبة 2.96 في المائة، أرجعه خبراء في الاقتصاد والمالية إلى لجوء عدد من المستثمرين إلى بيع أسهم البنوك المدرجة بالبورصة مخافة تراجع قيمتها في السوق المالية التونسية.وفي دفاعه عن هذا القرار، أشار البنك المركزي إلى أن إرساء هذا المعيار يهدف إلى حث البنوك العمومية والخاصة على بذل جهود إضافية لتعبئة ودائع الحرفاء التي تتميز بأنها أكثر استقرارا وأقل تكلفة، بما يمكن البنوك من تركيز إدارة أكثر فاعلية لمخاطر تحويل الآجال، ودفعها لابتكار منتجات مالية جديدة قادرة على تعبئة موارد مالية إضافية، ولا يعمل في المقابل على التقليص من القروض الممنوحة للاقتصاد التونسي أو التأثير على نسق الاستثمار المحلي والأجنبي.وفي هذا الشأن، قال وليد بن صالح، الخبير المالي التونسي، إن البنك المركزي يعتزم إصدار منشور جديد يفرض على البنوك احترام نسبة القروض مقارنة بنسبة الودائع الجديدة، غير أن أغلب البنوك التونسية تجاوزت بشكل كبير هذه النسبة على حد تقديره. وستكون البنوك «مجبرة على الحد من إسناد قروض جديدة، وتحسين مستوى التغطية وتحصيل الودائع».وذكر بن صالح أن البنك المركزي التونسي أصدر منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي، منشورا يحدد قواعد جديدة لاحتساب نسبة قدرة البنوك التونسية على الإيفاء بالتعهدات، ويأخذ هذا المنشور في الاعتبار ولأول مرة مخاطر السوق (الصرف ونسب الفائدة) كما استبعد عددا من العناصر في احتساب الأموال الذاتية للبنوك. كما نص المنشور على معاقبة أي تجاوز للمستويات المحددة، خصوصا الإسهامات خارج القطاعين البنكي والمالي.وفي حال تطبيق هذا المعيار، سيجد القطاع البنكي نفسه مجبرا على الحصول على ضمانات أكثر، وسيحصل رجال الأعمال على القروض في حين سيحرم منها أصحاب المشروعات الصغرى والمؤسسات المتوسطة الجديدة بالنظر إلى ارتفاع نسبة الضمانات التي ستطلبها البنوك، والتي عادة لا تتوفر لدى الباعثين الجدد، وهو ما من شأنه أن يحد من الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة.ويتطلب احترام ما جاء بالمنشور الجديد زيادة الأموال الذاتية لأغلب البنوك (زيادة رأس المال والحد من توزيع الأرباح وإطلاق الرقاع المشروطة في حال توفر السيولة)، أو الحد من إسناد القروض والتعرض إلى مخاطر السوق، خصوصا منها مخاطر الصرف (تمويل التجارة الخارجية).ويبدو أن هذا المشروع جاء استجابة للزيادة المهولة في شح السيولة والسعي إلى إيقاف نزف الأموال من الأسواق؛ إذ إن قيمة الأموال التي ضخها البنك المركزي إلى البنوك وصلت إلى 16 مليار دينار تونسي (5.7 مليار دولار)، مقارنة بشهر ديسمبر (كانون الأول) 2010 حين كانت في حدود مليار دينار تونسي فقط، وبذلك يكون هذا المستوى غير مسبوق، والمفاجئ أن هذا الطلب البنكي المكثف على السيولة من البنك المركزي وجه لإسناد قروض استهلاكية في معظمها.وفي إطار تدخلاته في السوق النقدية، يمنح البنك المركزي التونسي تسهيلات للبنوك مقابل ضمانات في شكل سندات عمومية (رقاع خزينة قابلة للتنظير، ورقاع خزينة قصيرة الأجل، والقرض الوطني) علاوة على قروض بنكية موجهة نحو القطاع الخاص. وقد تم منذ نهاية ديسمبر سنة 2014، زيادة الحصة الدنيا للسندات العمومية إلى 40 في المائة بعد أن كانت في حدود 10 في المائة من مبالغ إعادة التمويل.
مشاركة :