مخاتلة (تنصير وهوس بالإشاعات!)

  • 12/30/2014
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

لم يتعرض مبتعثو الستينات والسبعينات إلى تهم التنصير والإلحاد مع أن كثيراً منهم كانوا ناشطين في الجماعات القومية والعروبية، ليس بسبب غياب وسائل التواصل والمنتديات، بل لأن هذه التهم لم تكن تعني السعوديين وغير مطروحة. الظهور الأول لحملات التنصير كان في أوائل التسعينات حين انتشرت أشرطة لبعض الدعاة النجوم وقتذاك تتناول حملات تنصير العاملين في «أرامكو» وأن بعثات مسيحية تصل حمى الشركة وتبث دعواتها هناك من دون أن يعرف أحد في الوقت الذي كانت تهم غير منسوبي «أرامكو» هي العلمنة والاختلاط. مثل هذه الحملات الصحوية تترافق مع كل خطوة تغيير مجتمعة من أجل التشنيع عليها وتخويف الناس من آثارها، خصوصاً أنها نجحت في إلغاء نظام الساعات في الجامعات بعد حملة مكثفة زرعت، ضلالاً وتمويهاً، أن الاختلاط ضاربة عروقه في الجامعات مع أنها كانت معزولة حتى في مبانيها إنما الاختلاط كان في الستينات. في بداية الألفية الثانية ظهرت حملة أخرى مع قرار دمج تعليم البنات مع وزارة التربية، وثالثة مع بدء معرض الكتاب وعمل المرأة ودخولها الشورى، لكن الملف المفتوح دائماً هو الابتعاث، لأن مسيرته الطويلة والكثيفة ستؤدي، ضرورة، إلى تراجع الهيمنة الصحوية وإعادة تشكيل المجتمع ليكون منتجاً وفاعلاً ومسلحاً بالمعرفة والمهارة. جميع هذه الحملات كان خطها الثابت محاربة الوعي والاستنارة، لأن مدار تحكمها يقوم على التبعية والطاعة وتقديس الرموز وهو ما يستحيل الإبقاء عليه في ظل تدفق موجات الاستنارة والوعي التي تتناقض بالطبيعة مع إطارات الخنوع والطاعة العمياء. يمكن القول إن آخر نجاحات هجمات الصحوة كانت إلغاء نظام الساعات، أما ما بعدها فلم تنجح في عرقلة أي نشاط مجتمعي أبداً. التنصير في الخليج له محاولات قديمة أنشطها في البحرين والكويت منذ نهايات القرن الـ19 وبدايات الـ20، وزرع المسيحية، ومع ذلك لم تنجح على رغم الفقر والأمية والمهارات السحرية، وقتذاك، في علاج المرضى. بل إن مصر وفلسطين ولبنان التي فيها مواطنون مسيحيون لم تظهر فيها ظاهرة التنصير مع إمكان ذلك بحكم التعايش والمساكنة والتزاوج أحياناً كثيرة. الثيم المشترك هذه الأيام للصحوة هو التركيز على تشويه صورة السعودية الدينية ومحاولة التشديد على تراجع حضور التدين فيها عبر حملات التنصير ومؤتمرات الملحدين التي وصلت مكة، ثم الترويع من انتشار التشيّع، إضافة إلى الترويع من الفساد الأخلاقي الذي ضرب المجتمع. عملياً لم تتمكن الصحوة طوال ثلاثة عقود من تأسيس أي قيم أخلاقية، لأن خطابها لم ينشأ بنية الإصلاح الاجتماعي، إنما اتخذت هذه الذريعة بوابة للتأثير والاستقطاب. السعوديون لا يتنصرون أبداً والدليل أن موجات الابتعاث التي ضمت عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات لم تسجل حالة واحدة، كما يؤكد الملحق في أميركا الدكتور محمد العيسى، ولو ظهرت حالة أو حالات فلا تسيء إلى الابتعاث ولا إلى السعوديين. المحصّلة أن الصحوة أنتجت التطرف والتشدد، وأن المجتمع تجتذبه الإشاعة ويروج لها من دون تمحيص، أما الدين، فالسعودية قامت عليه وإليه تنتمي، ولم يتراجع في أراضيها يوماً وهي الراعية له والقائمة على بيوته في كل مكان إنما الذي تراجع هو هيمنة الصحوة ودرجة تأثيرها وتوالي خروج نجومها من المشهد، فكانت هذه المحاولات البائسة التي لم تتورع عن شيء في سبيل تشويه كل حراك يتمرد عليها وينبذ سلطتها من دون أن تعي أن مثل هذه الحملات تؤدي إلى تآكل ما تبقى منها ولن تعيد حضورها أبداً.

مشاركة :