النسخة: الورقية - دولي في الموصل يترقب الناس الموت ويعدون الرؤوس المنحورة، في البرازيل يتقافز الناس فرحاً مع كل هدف، هو الفرق بين الحياة والموت، فلماذا يكون مصير العرب الرعب المستمر هرباً من الموت وانتظاراً له؟ من 1948 والموت يصطاد الفلسطينيين، في 1956 استهدف المصريين، في 1970 مر بالأردن، في 1975 بنى مرابعه في لبنان، في 1990 زار الخليج، في 2011 استوطن سورية، ثم تمدد عام 2014 إلى العراق بشهية مفتوحة لا يعرف أحد نهايتها. العالم العربي مرتبط بالموت منذ 40هـ، وهو إن سكن زمناً فلأجل الاستعداد لهجمة تسونامية أقسى وأشد، العرب يعرفون ويستحضرون مقابرهم أكثر من رايات مجدهم، يتذكرون انكساراتهم هم حتى لتبدو «حطين» صفحة نقاء في كتاب أسود. معظم دول العالم لا تدور ذاكرتها حول الموت والقتل بل الفرح والانتصار، بينما تحتشد الذاكرة العربية بقصص وفصول الحزن والموت، وحين تنتفض للحياة تكون خطوتها قصيرة ومتعثرة، عربياً ماتت أشياء كثيرة وتغيرت أخرى، أما الثأر فهو الحي الوحيد والعامل المشترك. لم يخطئ القصيمي عندما قال: «العرب ظاهرة صوتية»، فهم مسرفو الحديث كثيرو الكلام، لكنهم سرعان ما ينكسرون ويخسرون حين يبدأ الفعل، ويصبح النصل هو المحك. هدد العرب بالانتقام من الجنرال الفرنسي غورو، الذي وطأ قبر صلاح الدين، فلم يمس باريس أذى بل تزدهر وتنمو، بينما ينسف النظام السوري «المقاوم» قبر خالد بن الوليد. يعشق بعض العرب القبور لكنهم يعجزون حتى عن الدفاع عنها، ثم يزيدون مساحتها ويحرقون وجودهم بمشاعل حرب تنتقل من أخ إلى أخيه من دون أن تنال عدواً. لا «قاعدة» في بريطانيا، ولا «نصرة» في فرنسا، ولا «بوكو حرام» في كندا، ولا «داعش» في الولايات المتحدة، ولا «إخوان» في النمسا، ولا تعرف أوروبا الشمالية رعب التفجيرات والمفخخات، ليس في الشأن العربي إنجاز اليوم، إنما القنابل تتقافز كالكرة من بلد إلى آخر، صناعة العرب الوحيدة تقاذف التهم والزعم بالمؤامرات والمخططات السيئة، تحاول دول العالم أن تبني تكتلات نفعية، بينما تنهار الجامعة العربية، حتى مجلس التعاون أقعدته الحركة القلقة، العرب يجهلون المستقبل فيستحضرون تاريخهم الدموي بحثاً عن نجاة ومشعل، فيكون الذبح والنحر والحرائق حظهم الوحيد. المسلمون خلفاء الأرض وعمارها افتراضاً، أشهر فرسانهم اليوم «داعش» الدائر نشاطه بين الرصاصة والسكين. يقفز العالم فرحاً وبهجة بهدف أو هجمة في الوقت الذي يتراقص العرب على لعلعة الرصاص وأصوات القنابل، يرسم العالم المستقبل ويحاول أن يجد له مكاناً فيه، أما العرب فيتساءلون بحرقة متى يرجعون إلى بيوتهم؟ وهل سينجون من الذبح؟ ومن الضحية القادمة؟ المشهد العربي دموي يستجدي الرصاص ويحتقن بثأر وهمي، ويرجع عقوداً إلى الوراء، فتكون خيام اللجوء هي المسكن إن توافرت، ويهيمن الجهل على جيل استيقظ على الرعب والخوف والشتات، وها هي فلسطين لا تزداد نصرة، إنما تتسع مساحة القمع والعدوان، حتى لكأن الذلة هي المصير لولا لسان قوال غير فعال. أفريقيا المسحوقة بدأت تصحو وتتبرأ من حروبها القبلية، وتعمل لبناء مستقبلها متنازلة عن مسرحها الدموي للعالم العربي، الذي خسر مكتسباته ليعود إلى بدائية الإنسان، كأنه حلقة أولى في «ناشيونال غرافيك». العرب يحاربون الغرب ويذكّرونه بعودة أندلسهم، فانتهى سعيهم إلى مسرح العرائس وتجسيد الجريمة، وقتل فرادتهم الوحيدة: التفوق العددي ونسبة التكاثر. فلسطين محنطة، سورية ميتة، العراق يحتضر، ليبيا تتناقص، الصومال مقصلة، اليمن مذبحة، مصر جريحة، تونس مرتبكة. عام 2004 راهن العرب على مستقبل باهر، وفي عام 2014 لا يرجون سوى البقاء والحياة المستكينة. كانت كوارث العرب تأتي كل عقد أو اثنين، ثم أصبحت كل عام وعامين، وها هي الآن كل يوم تقريباً، فأين يمكن العثور على المستقبل في قشة الموت والدمار والعجز والعزلة؟ العرب لا يتابعون كأس العالم، لأن ترقبهم للموت يستلب كل معنى للحياة.
مشاركة :