كي يستقيم الظل

  • 9/16/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم يتغير حال المنتخب “الأزوري” مع المدرب الجديد روبيرتو مانشيني، لا أحد اليوم في إيطاليا متفائل بخصوص قدرة منتخب بلادهم على النهوض سريعا والتحليق عاليا مثلما كان يفعل ذلك سابقا. ظهور أول ضمن البطولة المستحدثة في أوروبا دوري الأمم كان سيئا ضد المنتخب البولندي وتعادل مخيب للآمال، ثم ظهور ثان متواضع ضد المنتخب البرتغالي الذي خاض المباراة دون نجمه رونالدو. هي بلا شك معطيات أولية ترسم لوحة سوداء بلون الليل الحالك الذي سيسير خلاله المدرب الجديد مانشيني عله يصل الليل بالصباح، ويجد المخرج من هذه الظلمة المعتمة التي أسدلت ستارها منذ فترة ليست وجيزة في عقر دار المنتخب الإيطالي. كان الجميع هناك في إيطاليا يمنّي النفس أن يستيقظ “المارد” الإيطالي من سباته العميق، كان الجميع يتطلع لمعاينة الإطلالة الجديدة لهذا المنتخب بعد أن لفّه النسيان وتلقّفه الفشل طيلة السنوات الأخيرة. كان السواد الأعظم من الجماهير الإيطالية يتلهّف للخروج من هذا النفق الطويل، والأهم من ذلك التخلص من تبعات النكسة المونديالية الأخيرة بعد فشل منتخب إيطاليا في ضمان حضوره “المعتاد” مع كبار القوم. لكن المؤشرات الأولى لا توحي بنهضة سريعة، فالأمر سيان سواء مع المدرب السابق فينتورا أو المدرب الحالي مانشيني، إذ لم يتغير الحال ولا توجد بعد خوض مباراتين في إطار رسمي أي بوادر تدفع للتفاؤل وترسم الأمل على الشفاه الكالحة. ربما تبدو المشكلة أكبر من مجرد مدرب لا حول له ولا قوة، قد تكون الأزمة أعمق بكثير، فـ”الأمراض” المزمنة التي عانى منها “الأزوري” منذ فترة ليست بالقصيرة لم تتبدل، فمع المدرب فينتورا افتقد المنتخب الإيطالي هويته وخسر نقاط قوته، وكان من الطبيعي أن يخرج من سباق المونديال. مع المدرب فينتورا بدأت المشكلات تظهر جليا للعيان، لم يعد هناك أسلوب خططي واضح، افتقد هذا المنتخب كل خصوصياته، لم يعد لديه دفاع حصين مثلما كان في السابق، لقد غابت الهوية وغاب الالتزام، لم يعد هناك عمل جدي على مستوى التكوين والتأطير، فاندثرت المواهب واقتصر التعويل على لاعبين بلغوا من العمر عتيا. أما مع المدرب الجديد مانشيني فلم يتغير الحال كثيرا، لقد تواصل الارتباك واستمر الارتجال، ولم يقدر هذا المنتخب العريق على النهوض بسرعة. مع المدرب مانشيني خاض المنتخب الإيطالي خمس مباريات ودية ورسمية، لم ينجح خلالها سوى في تحقيق فوز وحيد كان في إطار ودي ضد المنتخب السعودي، في حين خسر في مباراتين ضد فرنسا والبرتغال واكتفى بالتعادل مع بولندا وهولندا. بقطع النظر عن النتائج فإن المنتخب “الأزوري” ما زال يترنح ويتمايل، وكأنه يستعد للحظة السقوط من جديد، وكأنما الأفق أصبح أكثر ضيقا، فلا أمل في الإصلاح والنهوض مجددا. هذا المنتخب الإيطالي الذي كان طيلة عقود طويلة ينتمي دوما لـ”أسياد” الكرة في العالم، تراجع وبات يصنف ضمن المنتخبات الثانوية، هذا المنتخب لم يعد يعيش على وقع إنجازات الماضي المجيد ولا هو اتعظ من الأخطاء القريبة أو البعيدة. ثم كيف لمنتخب رفع كأس العالم أربع مرات أن يفشل على امتداد حول كامل في تحقيق ولو فوز يتيم ضمن المباريات الرسمية؟ إنه لعمري الوضع البائس بكل تجلياته، إنه عصر الظلمات الذي لف كل المكان في جنبات البيت “الأزروي”. كل شيء معوجّ، هذا المنتخب لا يسير في طريق الصواب، أغلب الأمور بحاجة إلى التقويم والجبر والإصلاح، فهل يفعلها مانشيني ويقدر على تقويم هذا الاعوجاج، هل ينجح في التخلص من تراكمات وأخطاء سنوات الضياع؟ صراحة مهما كانت الظروف قاسية، ومهما كانت العراقيل كبيرة إلاّ أن الوقت لم يداهم مانشيني، ما زال أمامه المجال فسيحا كي يؤسّس لمرحلة جديدة، ما زالت الالتزامات القارية والدولية الأهم بعيدة، ولا أحد يعرف ماذا يخبئ المستقبل القريب لهذا المدرب وكذلك للمنتخب الإيطالي. ربما هي لمسة فنية واحدة قد تكون كفيلة بالتغيير الشامل والتطور نحو الأفضل، ربما الحاضر الصعب والمظلم يؤسّس لمستقبل مشرق، فالمنتخب الإيطالي الحالي ما زال مع المدرب مانشيني في طور الاختبار والتجريب. ولعل المباراة الأخيرة ضد المنتخب البرتغالي، تكشف وجود هذا التوجه، فمانشيني المغامر شاء أن يجري تعديلات عديدة للغاية على التشكيلة الأساسية قياسا بالمباراة السابقة ضد المنتخب البولندي، لقد أجرى تسعة تبديلات، ليمنح بذلك الفرصة لأغلب اللاعبين الموجودين على ذمته. بعد تلك المباراة، بدا مانشيني متفائلا رغم الخسارة، كان متماسكا وواثقا، فاعترف بوجود بعض الأخطاء التقديرية، لكنه لم يقلل من شأن لاعبيه، فقال إن منتخب بلاده قدّم مستوى مقبولا رغم التبديلات العديدة، قبل أن يشير إلى أن المؤشرات الأولية قد تؤسّس لمرحلة أفضل. لقد اعترف مانشيني بوجود نقائص عديدة وفجوات كبيرة اتسعت تدريجيا طيلة السنوات الأخيرة، قال إنها فجوات جعلت عود المنتخب الإيطالي لا يكون صلبا، وسيتعين على مانشيني أن يجعله أشد قوة. سيتوجب عليه أن يصحح وضع هذا “العود” الذي يتمايل ويترنح، فبات ظل المنتخب الإيطالي معوجّا. يتعين على مانشيني أن يثبت للجميع أنه الأجدر بتولي هذه المهمة الشاقة، فيقوم بتقويم هذا العود حينها سيستقيم الظل مع “الأزروي”.

مشاركة :