في الدول المتقدمة تتنافس الأحزاب وتتعاون في الوقت نفسه لتحقيق مصلحة الوطن لا مصلحة الطائفة أو العشيرة أو الأصل أو الفصل، وهذا من أسباب نجاح تلك الدول وتقدمها، فالوطن هو الحاوية للنفوس والأعراض والأموال والأجيال. مؤسفة أخبار تشكيل الحكومة في العراق ولبنان، حيث تُمارس الأحزاب الطائفية والعشائرية والأممية الدور الأكبر في العمل السياسي، مما أدى إلى وضع مقزز تسوده المصالح الضيقة والتفرق والتخلف على كل المستويات. وكلما شاهدت اجتماعات هذه الأحزاب السابقة لتشكيل الحكومة في التلفاز تذكرت الفقرات الرائعة في المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي وهي تشرح لماذا اختار الآباء المؤسسون للدستور النظام الوسط بين الرئاسي والبرلماني، فقد فقالت المذكرة في نقد النظام البرلماني الذي تُشكَّل فيه الحكومة من الأحزاب في البرلمان: "ولعل بيت الداء في النظام البرلماني يكمن في المسؤولية الوزارية التضامنية أمام البرلمان، فهذه المسوؤلية هي التي يُخشى أن تجعل من الحكم هدفاً لمعركة لا هوادة فيها بين الأحزاب". وهذا ما يحدث بالضبط في هذه الدول التي أفسدتها الأحزاب الطائفية والعشائرية والمتهمة بالتبعية لأمم أخرى، فبات تشكيل الحكومة عبارة عن صراع تضيع معه مصلحة الوطن والمواطن. أما في الدول المتقدمة فتتنافس الأحزاب وتتعاون في الوقت نفسه لتحقيق مصلحة الوطن لا مصلحة الطائفة أو العشيرة أو الأصل أو الفصل، وهذا من أسباب نجاح تلك الدول وتقدمها، فالوطن هو الحاوية للنفوس والأعراض والأموال والأجيال، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتِل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتِل دون حرِمه فهو شهيد"، فإذا ضاع الوطن ضاعت جميع هذه الضرورات. وفي مختلف دول العالم فشلت الأحزاب الأممية عندما قدمت مواقف وتوجهات الحزب الأممي على مصلحة الوطن، ففي الخمسينيات والستينيات كانت الأحزاب الشيوعية تعتبر الاتحاد السوفياتي هو الوطن الأم للبروليتاريا الدولية، ولكن سرعان ما تخلت الاحزاب الشيوعية عن تبعيتها للاتحاد السوفياتي عندما طُلب منها الوقوف ضد أوطانها في الحرب الهندية الصينية وفي إيطاليا وفي أماكن أخرى من العالم، وعندما طلب الحزب الشيوعي الإسرائيلي من الشيوعيين الفلسطينيين الانضمام إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي بدلاً من الوقوف مع الإقطاعي أمين الحسيني (بزعمهم) رفض الفلسطينيون هذا العرض فتغلب أيضاً الشعور الوطني على الأممي. وأخيراً نأتي إلى الإخوان المسلمين في الكويت الذين تخلوا، حسب لقاء د. عادل الصبيح مع "الصندوق الأسود"، عن تبعيتهم الأممية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بعد الموقف السيئ لهذا التنظيم من احتلال الكويت، وأعلنوا إنشاء الحركة الدستورية، وأنا أعلم أن كثيراً من المتابعين لا يصدقون هذا الإعلان، ولكنه في حد ذاته يؤكد أن الانتماء الأممي لا يمكن الدفاع عنه إذا ما تعارض مع الانتماء الوطني. والخلاصة أننا يجب أن نتعظ من تجارب الدول التي فشلت من حولنا، ولنحذر من قذف بلادنا في صراعات أحزاب طائفية أو عشائرية أو أممية فتضيع مصلحة الوطن.
مشاركة :