في 6 مارس 2018 أقر مجلس الأمة بالإجماع قانون تعارض المصالح، وفور اطلاعي عليه وجدت فيه أخطاء صارخة، فكنت أول من كتب عن عيوبه في هذه الزاوية في 19 مارس مقالاً بعنوان "أخطاء في قانون تعارض المصالح"، بينت فيه مثالب القانون، خصوصا ما ورد في الفقرة الثانية من المادة الرابعة مما يضع جميع الكويتيين في دائرة مخالفة القانون. ثم أتبعته بمقال ثانٍ في 26 مارس بعنوان: "كيف وافق النواب أن تضع الحكومة قواعد سلوكهم"، بينت فيه أن المادة التنفيذية للقانون أعطت الحكومة الحق في وضع قواعد السلوك لأعضاء السلطتين التشريعية والقضائية مما يخالف فصل السلطات واستقلالها. وجميع هذه الأخطاء التي ذكرتها جاءت في حكم المحكمة الدستورية التي أبطلت القانون الأسبوع الماضي، ورغم وضوح هذه الأخطاء فإنها فاتت على جميع الأعضاء والمتخصصين منهم في دراسة القانون، كما فاتت للأسف على أعضاء الحكومة ومستشاريها، وقمت بالاتصال بأكبر الفقهاء الدستوريين في المجلس فأفادني أن القانون لم يُستشَر فيه ولم يعرض عليه. وبعد نشر المقال الأول تلقيت اتصالاً من المستشار شفيق إمام الذي أكد صحة ما ذهبت إليه، وذكر أنه سيكتب في هذا الموضوع، وبالفعل كتب سلسلة مقالات أظهرت عوار مواد كثيرة من القانون. كما كتب د. نواف الياسين المحامي أيضاً ملاحظات مهمة وحاسمة أكدت ما ذهبنا إليه، وقامت جريدة "الجريدة" مشكورة في الشهر نفسه بإعلان عيوب القانون في صفحتها الأولى عبر نشر آراء بعض الأساتذة الدستوريين. والسؤال المهم الآن هو: كيف مرت هذه الأخطاء على جميع أعضاء المجلس والحكومة وفيهم المتخصصون في القانون؟ وليست هذه هي المرة الأولى في هذا المجلس، فقد أدت ممارسة الأغلبية حول صحة عضوية العضو الذي يصدر عليه الحكم بعقوبة جناية إلى صدور حكم من المحكمة الدستورية بإلغاء المادة 16 من اللائحة الداخلية للمجلس، وذلك بناء على طعن تقدم به الناشط أسامة الخشرم. والخطأ نفسه وقع فيه المجلس الماضي عندما أقر في جلسة مستعجلة قانون البصمة الجينية (الوراثية)، فقامت المحكمة الدستورية بإلغاء القانون. ولم تكن مشكلة عدم دستورية القوانين في مجالسنا السابقة موجودة، فقد تم الطعن في قانون الزكاة أكثر من مرة، وفي كل مرة كانت المحكمة الدستورية تحكم بدستوريته، وكذلك تم الطعن في قانون الاختلاط وقانون مديونيات الغزو، فحكمت الدستورية برفض الطعن عليهما، وأخيراً تم الطعن على قانون محاكمة الوزراء الذي وضعه الأستاذ حمد الجوعان، رحمه الله، وأشركني معه وبعض الزملاء، حيث حكمت المحكمة الدستورية الأسبوع الماضي بدستوريته. نعم كانت المجالس السابقة تتأنى وتراجع القوانين قبل إقرارها وتأخذ برأي المتخصصين الثقات، وكان يجب على المجالس الأخيرة أن تحذو حذو تلك المجالس، وتنهج المنهج العلمي بدلاً من المنهج السياسي الذي طغى على أعمالها. وعلى الرغم من إيماننا أن الأخطاء الدقيقة قد ترد في أفضل المجالس في العالم، ولكن الأخطاء الجلية الصارخة لا عذر فيها. وليست مشكلة عدم الدستورية هي المشكلة الوحيدة، فشخصياً أعتقد أن معظم القوانين التي أقرها المجلس الحالي تشكو من أخطاء مالية أو تخالف مصلحة البلاد حتى إذا سلمت من الناحية الدستورية.
مشاركة :