بعد مرور عشر سنوات من ابتداء فكرة المشروع أصدرت دارة الملك عبدالعزيز قبل أسابيع معجماً مهماً للباحثين ننوّه عنه هنا لأنه يعتبر نقلة نوعية في الإصدارات الرسمية في المملكة العربية السعودية حيث ظلت الجهات الحكومية سنوات طويلة تتحاشى ما يتعلق بالتاريخ الاجتماعي بعداً عما يثيره التأليف فيه من الحساسيات والإشكاليات إلا أن دارة الملك عبدالعزيز تنبهت إلى أن إغفال هذا الجانب من الجهات العلمية أدى إلى ظهور مؤلفات خالية من التحقيق والتدقيق ومليئة بالأخطاء والأغلاط فشرعت في العمل على (معجم البلدان والقبائل في شبه الجزيرة العربية والعراق وجنوبي الأردن وسيناء) بكل تؤدة وحرص وحذر وأخرجته في حلة قشيبة وإخراج متميز وطباعة ملونة راقية. وهذا المعجم في أصله ترجمة وافية لمعجم شبه الجزيرة العربية Gazetteer of Arabia الذي صدر في عام 1917م في أربعة مجلدات تحوي أسماء أماكن وقبائل في شبه الجزيرة العربية مرتبة حسب الحروف الهجائية الإنجليزية وقد أصدره مكتب حكومة الهند البريطانية ليوفر مادة مرجعية في المنطقة الممتدة جنوب الخط بين العقبة وأبوكمال على نهر الفرات بما فيها ولايتا بغداد والبصرة كما أن هذا المعجم قد احتوى على بيانات أخذت من مصادر مطبوعة ومصادر غير رسمية تجمعت خلال سنوات البحث والتحليل بواسطة الرحالة والموظفين المحليين ومعلومات السكان وموظفي الحكومة البريطانية. والحقيقة أن الدارة في معجمها لم تكتف بالترجمة والتعليق على المعجم البريطاني ولكنها آثرت الإضافة العلمية إلى المعجم بمعلومات للأماكن في المملكة العربية السعودية مستعينة بالدراسات الاستشارية التي أجرتها وزارة المواصلات قبل عام 1390ه/1970م وهي دراسات استطلاعية أجريت قبل الشروع في أول خطة خمسية للمملكة واشتملت على معلومات قيمة عن قرى المملكة ومدنها وهجرها في ذلك الوقت، كما أن المترجم قد أضاف معلومات أخرى من كتاب أوبنهايم (البدو) وأشرك معه نحو 70 باحثاً ومتخصصاً لمراجعة مواد المعجم المتعلقة بالقبائل والبلدان والتعليق عليها وتصحيحها من كافة الدول التي يغطيها المعجم. فهذا المعجم ليس مجرد نقل معرفي من لغة إلى لغة كما قد يتبادر لبعض الأذهان بل تضمن عدة محاور علمية بدأت بالترجمة والتعليق ثم الإضافة والتحقيق وأخيراً المراجعة والتدقيق وهو ما يكسبه مزيداً من الموثوقية والمرجعية فالجهد المبذول في هذا العمل جدير بالتقدير والاحترام كما أن الوقت الذي استغرقه العمل ليظهر للناس دليل على التحري والتروي وأما المشاركة السبعينية في مراجعة العمل وتدقيقه فهي علامة فارقة ساهمت بشكل فعّال في تصحيح الأخطاء وتلافي عيوب الترجمة السائدة عند المترجمين من خارج الجزيرة العربية، وبقدر ما يشكله هذا المعجم من إضافة علمية وأهمية مرجعية لجميع الباحثين في دول الجزيرة العربية إلا أن أهميته للباحثين السعوديين تزداد لتركيزه على بلادهم. وأخيراً فعلى الرغم من أن فكرة المعجم نبعت ودُعمت من قبل دارة الملك عبدالعزيز إلا أن الدكتور الوليعي هو من تحمل العبء الأكبر من صعوبات هذا الإنجاز العلمي ونحن نشكر للدارة اختيار هذا الأستاذ الجغرافي المتخصص لإنجاز هذا المشروع وقد كان عند حسن ظنها بعلمه وتفانيه في خدمة العمل فكان الرجل المناسب في المكان المناسب بارك الله في عمره وعلمه، وهذا ما يدفعنا أيضاً إلى شكر الأمين العام السابق للدارة الدكتور فهد السماري الذي كان وراء هذا المشروع العلمي بدعم رئيس مجلس إدارة الدارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، ولعل القائمين على جوائز الكتاب يعرفون قدر مثل هذه الكتب الرصينة.
مشاركة :