تونس - فرضت أزمة الحليب في تونس على الحكومة اللجوء لخيار التوريد، بعد أن تم تسجيل نقص كبير في الأسواق من هذه المادة الاستهلاكية الضرورية، ما تسبب في حالة من القلق ظهرت معالمها في ارتباك المسؤولين بشأن إصلاح قطاع. ويتخبط القطاع منذ سنوات في دوامة من الأزمات دفعت الحكومات المتعاقبة وخاصة التي تقلدت السلطة بعد 2011 إلى اعتماد الحلول الترقيعية دون تحديد الأسباب الحقيقية للمشكلة. ويرجع اقتصاديون السبب لأزمة القطاع إلى سياسات الدولة التي يعتبرونها خاطئة ويقولون إنها مفارقة كبيرة أن تلجأ الحكومة إلى توريد الحليب في حين يتلف المزارعون كميات كبيرة من إنتاجهم كل عام. وقال كمال الرجايبي مدير عام المجمع المهني المشترك للحوم الحمراء والألبان، في تصريح لـ”العرب”، إن “توريد الحليب ما يزال مجرد فرضية في إطار الاستشراف يتم اللجوء إليها عند تسجيل نقص في كميات الحليب بالسوق”. وحاول الرجايبي نفي حقيقة أن القطاع يعيش أزمة، مؤكدا أن “القطاع يواجه صعوبات لم تصل إلى درجة الأزمة”. 20 مليون لتر، حجم مخزون الحليب حاليا في تونس بعد أن كان عند 40 مليون لتر العام الماضي وأضاف أن “تونس عاشت ثلاث سنوات من الجفاف لم يكن لها مثيل إلى جانب الوضع الاقتصادي الصعب للبلاد، وكل هذا أثر على أداء قطاع إنتاج الحليب”. لكن بوبكر المهري رئيس غرفة مصنعي الألبان ومشتقاتها أكد، في تصريح لـ”العرب”، أن “التوريد ليس مجرد فرضية بل هو قرار مؤكد”، لافتا إلى أن الأرقام الحقيقية تبقى غير واضحة. ونقلت وسائل إعلام محلية عن وزير التجارة عمر الباهي قوله إن “كميات الحليب المورد ستكون في حدود 10 ملايين لتر وهو ما يمثل أقل من 2 بالمئة من نسبة الاستهلاك المحلي”. وقالت نقابة مصنعي الحليب، في وقت سابق هذا الشهر، إن “الحكومة تنوي استيراد ما يقارب 13 مليون لتر من الحليب، لكن مسؤولين من وزارة التجارة نفوا ذلك، وقالوا إن حجم الواردات سيكون في حدود 3 ملايين لتر لسد الفجوة في السوق. وزاد هذا الارتباك في التصريحات الحكومية بشأن حقيقة كميات الحليب التي سيتم توريدها من حيرة التونسيين، كما ضاعفت مخاوفهم بشأن احتمال تفاقم نقص الحليب في الأسواق. وكشف الباهي، الأسبوع الماضي، أن مخزون الحليب تراجع ليصل إلى 20 مليون لتر بعد أن كان عند نحو 40 مليون لتر العام الماضي. وتشير البيانات الرسمية إلى أن طاقة تصنيع الحليب تبلغ 850 مليون لتر سنويا، منها نحو 700 مليون لتر لتصنيع الحليب المعلب والباقي يذهب لصناعة الأجبان وغيرها. ويقدر معدل استهلاك الحليب ومشتقاته بنحو مئة كيلوغرام للفرد سنويا. ويضم القطاع نحو 120 ألف مرب للماشية، وما يقارب 230 مركز تجميع في مختلف مناطق البلاد، إلى جانب عشر شركات صناعية. كمال الرجايبي: سنوات الجفاف والوضع الاقتصادي الصعب أثرا على قطاع الحليب كمال الرجايبي: سنوات الجفاف والوضع الاقتصادي الصعب أثرا على قطاع الحليب وأغلب مربي الأبقار في تونس هم من صغار المربين بنسبة تقدر بنحو 95 بالمئة، وكل من هولاء يملك أقل من 10 أبقار. ويواجه صغار المزارعين ممن يعملون في القطاع صعوبات كبيرة جراء ارتفاع كلفة الإنتاج ويضطر الكثير منهم للتخلص من عبء الأبقار سواء ببيعها أو بتهريب القطيع إلى البلدان المجاورة وخاصة الجزائر. وتؤكد نقابات المزارعين والمصنعين أن حل الأزمة يكمن في إرساء استراتيجية لتنمية قطاع العلف وتشجيع المزارعين على تربية الأبقار وتوفير الإمكانيات المادية للمربين. وتتفق الجهات الرسمية مع رأي المنتجين بأن القطاع يمر بأسوأ فترة منذ سنوات، إذ أوضح المهري أن كلفة إنتاج الحليب من قبل المزارع تفوق سعر البيع، ما دفع شريحة من مربي الأبقار إلى بيع القطيع أو تهريبه وأن هناك نقصا في الأبقار يقدر بنحو 30 ألف بقرة. وتؤكد النقابات أن الحكومة بقيادة يوسف الشاهد لم تحسن تسيير أوضاع القطاع إذ أنه منذ سنتين تم تسجيل فائض في إنتاج الحليب وأن الحكومة لم تستثمر ذلك الفائض لمواجهة تداعيات الجفاف على دورة الإنتاج. ويطالب مصنعو الحليب بزيادة أسعار هذه المادة. وتم إقرار زيادة في سعر الحليب على مستوى الإنتاج في يوليو الماضي دون رفع سعر البيع للمستهلك إذ زادت الحكومة دعمها للحليب ليصل إلى نحو 30 بالمئة، لكن المهري يقول إن هذه الزيادة جاءت متأخرة ولم تكن كافية لمساعدة المنتجين على مواجهة ارتفاع الكلفة. وتقترح نقابات المزارعين ومصنعي الحليب أن يتم تحرير الأسعار، من ضمن مقترحات أخرى لإعادة هيكلة القطاع. وأكدوا أن هذه الخطوة ستساهم في تنوع إنتاج الحليب والاستجابة لاحتياجات المستهلكين، إلى جانب أنه خيار يشجع على الاستثمار في القطاع. ووفق التقديرات، يتم تزويد الأسواق المحلية بنحو 2 مليون لتر من الحليب يوميا، فيما يبلغ حجم الاستهلاك 1.8 مليون لتر.
مشاركة :