مسألة السعادة اليوم - مهـا محمد الشريف

  • 1/1/2015
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

يرى شبنهور أن السعادة مستحيلة لأن حياة الإنسان مراوحة بين الملل والألم، ولأن الحاجات غير المشبعة تولد في الإنسان ألماً يدفع إلى التعاسة، وفي الحقيقة هي عدة آراء مختلفة فمنهم من يجدها في النفوذ المادي ومنهم من يشعرها كمفهوم وغاية من أجل أشياء أخرى. أما فرويد يرى أن السعادة غير ممكنة لأسباب ثلاثة: الطبيعة القاهرة ولا نستطيع حتى بالعلم أن نتحكم فيها تحكماً كلياً، وكيف يكون الجسد عرضة للتلف من جراء المرض والحرب، والمعاناة ككل، والحضارة التي تقوم على الكبت، ثلاثة أشياء حيوية تلغي السعادة ولن تمكن الناس منها. وفي هذا الموقف نجد أن السعادة أصبحت اليوم لا تطرح في المجال الأخلاقي بقدر ما أصبحت تطرح في مجالات العلم والتقنية والسياسة والاقتصاد، إنها اسطورة العصر الحديث التي وعد بها العلم وزعمت التقنية تحقيقها. هذا ماجاءت به الفلاسفة والحكماء، ومن ضمن ما أتى به النقل والعقل أن السعادة شأن شخصي يستند على المعطيات العامة، فعندما تكون سياسة وطنك تعني بك وبحياتك العامة وتبذل كل ما هو ثمين لأجلك فإنها السعادة الحقيقية التي تحثك على زرعها في حدائق المنازل وعلى الشرفات، وتساهم في الواجبات والحقوق التي تنص على قدراتك ومهاراتك في تحقيق هذه السعادة لكي تزدهر مع الآخرين. ومن بين الأمور الأكثر تساؤلاً هي هل السعادة معطاة أم مبنية إرادياً؟ وهل هي مطلب فردي أو جماعي؟ إننا نعلم بالإجماع أنها غاية في ذاتها وما عداها وسائل لتحقيقها، فإذا ساهم الجميع وتشارك في العمل التطوعي والتكافل الاجتماعي ومساعدة الناس أوجد أجزاء مفقودة في حياة هؤلاء، وقام بأداء أحد الواجبات التي تنشر واجباً نحو الغير ومن حيث تنبثق فكرة التضحية وترتبط بالفضيلة والأخلاق. ولكن تصور الإنسان اليوم عاصف يلهث نحو المادة والملكية وتحسين الظروف الشخصية بما لا يتفق مع جهوده وتوازنه الاجتماعي والشعور التلقائي الذي يعتريه فيجعله يتجاهل الغير ويحقق إنجازاً غير منصف، ويتبع نظاماً اقتصادياً يبعد عنه الفاقة فقط، فالانحراف في الطموح يعقد العلاقات الإنسانية ويجعل من الهدف مشكلة في الحياة، فإن الإنسان مدعو إلى إعادة الاعتبار إلى أصالة الفكر وتفرده. وكيف يتجاوز الفرد المجتمع الاستهلاكي والحياة العمومية والسياسية ويحافظ على أشكال السعادة الجديدة لأن سعادة اليوم مختلفة ولا تشبه ما كان بالأمس، فالحاجات المعبرة اليوم تمس التيارات الاقتصادية المعاصرة بالدرجة الأولى وتسيطر على المستوى المادي والنفسي والروحي. وتجدر الإشارة إلى أن الخطأ يلزم الفرد بما لا يعرف بيد أن بمقدوره أن يفعل ما يحب ويرغب دون أخطاء، ودون تبعات سلبية إزاء الآخرين ما يؤكد أن المسؤولية ترتبط بمعطيات المجتمع ونظامه ومراتبه مهما كانت مصحوبة بالشك والقلق وبعض العوارض، ومن جهة أخرى فإن الإنسان يستطيع أن يستفيد من تجارب الأمم السابقة ويعيش الزمن بكل مستجداته ومفاجآته، فإن السعادة عقلية تستوعب كل ما يدور في المحيط الداخلي، وما يحدث في الجوار ويقيم علاقة قوية بين الناس وفضائلهم. ونستخلص مما سبق أن المسألة اليوم تحتكم إلى قضية المحاولة وجوهر الإنسان التواق إلى الاستقرار وتوفير حياة مبهجة لتحصيل السعادة كمطلب إنساني وقيمة عليا في مجملها.

مشاركة :