أنا متهم!.. متهم بشغفي بالمسلسلات البوليسية وبرامج الجرائم الواقعية.. أتابعها كل يوم تقريبًا وأستمتع بأساليب البحث والتقصي وكشف الملابسات والأسباب التي تؤدي إلى الكثير من أنواع الجرائم والسرقات بشكل عام.. وأستغرب من الكم الهائل من طرق تنفيذ أغلب هذه الجرائم والدوافع التي تؤدي إليها ونتائجها وكل ما يترتب عليها.. وقد كتبت عدة مقالات هنا في شأن المذابح والمجازر من حولنا، والتي لم تتغير كثيرًا منذ كان الإنسان البدائي متوحشًا ويسفك الدماء، ولم يكن لديه من وازع يردعه عن قتل الآخرين.. وكثيرة هي أشكال القتل والتنكيل اليوم وقد تطورت أساليب القتل ولم تتطور لدى العالم نوازع الرحمة ولا الشفقة ولا الرادع الديني ولا الأخلاقي.. بل نرى في جميع أرجاء الأرض أممًا لا تزال تقتل بعضها، ونرى أفرادًا يقتلون الأبرياء بلا رحمة نتيجة لتلك الوحشية المتأصلة فيهم!! غير أن هنالك جانبًا من بعض هذه الجرائم يتعلق بموضوع «القتل المتسلسل»؛ أي جرائم يرتكبها أفراد ضد عدد من البشر على مدى طويل، ربما تشمل الاختطاف والاغتصاب والتعذيب ومن ثم القتل بطريقة وحشية.. وفي حالات يتم فيها تشويه وتقطيع الجثث والتمثيل بها، بل وربما حتى تناول أجزاء من تلك الجثث.. وحيث إن بعض القضايا لا يتم اكتشافها والقبض على مرتكبيها بالسرعة الكافية، فقد تتعجل أجهزة التحقيق في اتهام أشخاص آخرين قد يدور الشك حول علاقتهم بالضحايا.. ومن ثم، يكون هؤلاء المتهمون بشكل خاطئ بجرائم لم يرتكبونها ضحايا أيضًا، وينتهي بهم الحال في السجون سنوات طويلة من دون ذنب. والأدهى في الأمر أنه بعد إدانة بعض الأبرياء بجرائم قتل لم يرتكبوها تنتفي أسباب متابعة ملفات هذه القضايا وينقطع التحقيق، لذا ينجح الجناة الحقيقيون في «الفلتان» من دون محاسبة. بل تعج أرشيفات القضايا المنسية (Cold Cases) التي فشلت التحقيقات الجنائية في كشف أغوارها، وربما ينساها الزمن وقد لا يُعاد التنقيب فيها أبدًا، إلا إذا تكررت الجرائم ثانية بعد حين.. في بعض الحالات النادرة، قد يعود بعض المحققين والباحثين عن الحقيقة بعد عمر بسبب الشك في وجود ثغرات قانونية واللجوء إلى أحدث طرق تحليل بعض الأدلة والعينات المحفوظة ومنها مثلاً إجراء اختبارات الحمض النووي (DNA) التي ربما لم تكن متطورة عند حدوث تلك الجرائم.. ولكم أن تتخيلوا بريئًا يقضي في السجون نحو ثلاثين سنة من دون أمل ثم تكتشف الجهات المعنية، الظلم الذي وقع عليه من دون وجه حق! أجل، قد يتم الإفراج عن بعض هؤلاء الأبرياء بعد حين وربما يكسبون بعض التعويضات المادية، لكن لن تعوضهم الأموال عن ضياع حياتهم وكل ما قد تكون تسببت فيه تلك الأحكام الجائرة من مصائب طالت حياتهم الأسرية وجميع أفراد أهلهم من سوء الظن وسوء السمعة وضياع مستقبل الأبناء وكل ذلك الهدر الناتج عن اتهاماتهم الباطلة.. هذا إن لم تؤد إدانة البعض إلى الحكم عليهم بالإعدام وتنفيذ الحكم عليهم بالفعل بعد استنفاد كل سبل الدفاع والاستئناف المتاحة قانونيًا.. ويعج التاريخ بقضايا بعض السفاحين ممن ارتكبوا عددًا كبيرًا من جرائم القتل على مدى سنوات طويلة ودفع ثمن بعض جرائمهم عدد من الأبرياء ولم يتم اكتشاف أمرهم إلا بعد فوات الأوان!! والغريب في عمليات القتل المتعددة أن العالم لا يتحدث عن المجازر المهولة التي تسببت فيها بعض الدول الاستعمارية ولا نتائج الحروب الجائرة، حيث لا يعتبرها التاريخ جرائم جنائية.. ومنها على سبيل المثال الملايين من الأبرياء الذين دفعوا حياتهم في الحربين العالميتين، ونتيجة حكم بعض الطغاة على مصائر الأمم.. ومنهم نذكر «هتلر» و«ستالين» و«موسوليني» على سبيل المثال وليس الحصر.. ولا يندرج الأمر أيضًا على مئات الآلاف من ضحايا القصف الأمريكي لأفغانستان والعراق، وقبل كل ذلك الملايين من شعوب الأمريكيتين، وخاصة على يد المستعمرين الإنجليز والإسبانيين بعد اكتشاف هاتين القارتين.. وكذلك الوضع مع المجازر المهولة التي ارتكبها اليابانيون في مجمل دول شرق آسيا.. وهل ينسى التاريخ مجازر المستعمرين الإيطاليين في ليبيا والفرنسيين في الجزائر، ومجازر الصهاينة المستمرة ضد أهلنا في فلسطين المحتلة.. وقد ينسى التاريخ بعد حين، مجازر الصرب ضد البوسنيين المسلمين ومجازر «بشار الأسد» ضد شعبه في سوريا ومجازر البورميين البوذيين ضد مسلمي الروهينجا في ميانمار وعمليات القتل والتنكيل بالمئات على يد الدواعش في العراق والمجازر العرقية على يد الحشود الشعبية.. كما ربما نسى العالم مجازر الإبادة الجماعية للروانديين (هوتو) ضد البورونديين (توتسي) في التسعينيات؟ لكننا نعود هنا للحديث عن تلك «الجرائم الجنائية» الفردية التي قضى فيها أفراد على عدد كبير من الضحايا على مدى سنوات قبل الكشف عنهم، وهم معروفون بمسمى «القتلة المتسلسلين».. وعادة، تسمى مثل هذه الجرائم بهذه التسمية حين يقتل شخص ما عدد ثلاثة من الضحايا أو أكثر خلال فترة زمنية، وفي بعض الحالات قد يصل إجمالي عدد الضحايا إلى المئات خلال 20 أو 30 سنة.. وربما في بعض الحالات ظلت تلك الجرائم من دون محاسبة.. ربما أشهرهم هو «جاك السفاح» الذي أرعب لندن في عام 1888م ، حيث ذبح هذا السفاح خمس نساء من البغايا بقطع حناجرهن والتمثيل بجثثهن.. ولم يتم الكشف قط عن القاتل الحقيقي رغم الشكوك عبر التاريخ بعدة شخصيات من دون أن تثبت على أي منهم التهمة بشكل نهائي. وكثير منا ربما سمع عن المجرم الأمريكي «جيفري داهمر» في ثمانينيات القرن الماضي الذي كان ينتقي ضحاياه من بين المراهقين والشباب اليافعين والمثليين، ممن لا يلاحظ أحد غيابهم، حيث كان يغريهم بالمال أو الحصول على المخدرات والكحول والجنس، وبعد أن يذهبوا معه إلى شقته، يقوم بخنقهم حتى الموت، ثم يمارس معهم «النيكروفيليا»؛ أي ممارسة الجنس مع الجثث، ثم يقوم بتقطيع الجثث إلى أشلاء، ويأكل ما يكفيه من اللحم البشري.. وتم القبض عليه بعد فرار أحد ضحاياه، فوجدت الشرطة في ثلاجة شقته، بقايا جثث وأعضائها الداخلية وبعض الجماجم. أما في كندا وفي عام 2002 عثرت الشرطة على الحمض النووي لـ26 امرأة في مزرعة شخص يدعى «روبرت بيكتون».. وأدين هذا القاتل المرعب في 2007 بالسجن مدى الحياة.. وقد أعرب «بيكتون» عن رغبته في قتل 50 امرأة غير أنه ولخيبة أمله نجح في قتل 49 فقط.. وزعم أهالي الضحايا أن الشرطة الكندية تقاعست عن التحقيق الجاد في أمر هذا القاتل لأن مجمل المقتولات كن يعملن في مجال البغاء ولأن أغلبهن كن من السكان الأصليين في كندا. أما الشرطي الروسي القاتل «ميخائيل بوبكوف» فقد قام باغتيال 59 شخصًا في مدينة «أنغارسك» الروسية جلهم من النساء.. عند محاكمته في 2015 بتهمة قتله 22 امرأة في البداية، اعترف «بوبكوف» بجرائمه الأخرى على مراحل، ما كان يؤجل إصدار الحكم النهائي بحقه، ولا يزال الشك يدور حول العدد الإجمالي لضحاياه رغم أن بعض المصادر تشير إلى 82 ضحية.. وربما يكون «بوبكوف» قد تأثر بسفاح روسي متوحش يلقب بجزار «روستوف»، الذي كان يحب الاعتداء جنسيًا على الأطفال رغم أنه كان يعمل مدرسًا، ثم أدمن القتل بين الأعوام 1978 و1990.. وبلغ عدد ضحاياه 53 ضحية، بين أطفال وفتيات، ونساء، وكان يستدرج ضحاياه إلى الغابات المحيطة بمدينة «روستوف» ويقتلهم بعد الاعتداء عليهم جنسيًا ثم يشوههم بوحشية مفرطة ويقطّع أجزاء معينة من أجسادهم كقطع من الوجه ليأكلها.. وأخيرًا تمكنت الشرطة من القبض عليه وحوكم وأعدم رميًا بالرصاص سنة 1994. يذكر لنا موقع (اليوم السابع) قصص بعض أشهر السفاحين في مصر، وربما كان أشهرها إعلاميًا وسينمائيًا قصة الأختين «ريا وسكينة» في الإسكندرية.. وتدور الحكاية حول استدراجهما للنساء إلى منزلهما من أجل سرقة «المصاغ»، لينتهي الأمر بقتل ودفن الضحايا في نفس المنزل.. رغم أن البعض يدافع عنهما حتى اليوم ويعتقد أنهما كانتا تعملان ضد المستعمرين الإنجليز وأن القصة ملفقة بشأن كونهما من القتلة المتسلسلين. { أكاديمي بحريني متقاعد
مشاركة :