خلقت أزمة ارتفاع أسعار الحافلات المدرسية وسائل بديلة ومبتكرة حولت بعض أولياء الأمور في مصر إلى سيدات ورجال أعمال يقومون بإيصال أبنائهم وأبناء جيرانهم إلى المدرسة عبر وسائلهم الخاصة بمقابل مادي. بينما تقاسم آخرون مهمة توصيل أبناء الحي الواحد بالتتابع صباحا ومساء لمحاربة الغلاء وتبادل المصالح المشتركة. تعود معاناة أولياء الأمور مع انطلاق عام دراسي جديد في مصر، السبت، وبدء رحلة شاقة لمواجهة الغلاء وارتفاع أسعار المصاريف المدرسية والتي صاحبها ارتفاع جديد في أسعار الحافلات الناقلة للتلاميذ حتى بدت أكثر قسوة على الأب والأم. وأعلنت المدارس الخاصة والدولية في مصر قبل انطلاق العام الدراسي، رفع أسعار حافلاتها، في حين شددت وزارة التربية والتعليم على عدم تخطي الزيادة المقررة نسبة معينة، حسب كل مدرسة، وهو ما تم ضرب عرض الحائط به. واعتادت المدارس الخاصة عدم الالتزام بما تقرره الوزارة، ومخالفة التعليمات لتتخطى النسب المقررة، بحجة ارتفاع أسعار الوقود. ووصل الاشتراك الشهري إلى ما يقابل 80 دولارا للطفل الواحد. ويقل هذا المبلغ في حال لجوء ولي الأمر إلى وسيلة خاصة، لكنها قد تفتقد عوامل الأمان المتوفرة في حافلات المدارس النظامية. ومن ضمن الوسائل البديلة التي أنتجتها الأزمة تشييد مشروع أطلقه آباء وأمهات قرروا القيام بدورهم في تأمين النقل المدرسي عن طريق نقل أبنائهم وزملائهم من القاطنين في الشوارع القريبة مقابل مبلغ يضمن أمن الطفل ويعوض تكاليف الوقود. ورغم أن بعض سائقي سيارات الأجرة يقومون بتشغيل سياراتهم في ما يطلق عليه بينهم “دورة مدارس”، ويعقد كل منهم اتفاقا وديا مع عدد من أولياء الأمور في منطقة سكنية واحدة، لإيصال الأبناء إلى المدرسة وإعادتهم إلى المنازل، لكن بعض الأسر اختارت الاشتراك في عملية التوصيل بطريقة عملية عبر استخدام سيارات خاصة توفر المزيد من الأمان للأطفال. وفي ظل الظروف الاقتصادية الراهنة قامت بعض السيدات بمهمة إيصال طلاب الحي الواحد مقابل أجر شهري، يقل كثيرا عن الذي يتم دفعه للحافلة التابعة للمدرسة، إذ لا يتجاوز ما يعادل 30 دولارا. ووفر هذا المشروع دخلا مناسبا للكثير من السيدات، وساهم في حل الأزمة، وانسحبت بعض الأسر من استعمال الحافلات المدرسية، ما وضع أصحاب مدارس خاصة في ورطة هذا العام، مع توقعات باضطرارهم خفض تكاليف الاشتراك العام المقبل لتقليل حجم الخسارة. ولم يتوقف مشروع توصيل الطلبة عند نطاق الشوارع المحيطة، لكن لمعت في أعين بعض السيدات فكرة بناء مشروع خاص، تبدأ خطواته باستخدام سيارة خاصة، وهي تجربة خاضتها سمية مناع (سيدة عاملة) منذ فترة، عانت كثيرا من ارتفاع أسعار الحافلات في القاهرة، وقررت بالاتفاق مع زوجها نقل أبنائهما للمدرسة بسيارتهما قبل ذهاب كل منهما إلى العمل. وقالت سمية لـ”العرب”، “الأمر مرهق للغاية، لكن لم يكن أمامنا سوى هذا الحل، نعم الاشتراك في الحافلة المدرسية يمنحني الوقت الكافي للقيام بالواجبات المنزلية، حتى موعد عودة الأبناء من المدرسة، لكن التكلفة أصبحت باهظة”. آباء وأمهات قرروا القيام بدورهم في تأمين النقل المدرسي عن طريق نقل أبنائهم وزملائهم مقابل مبلغ زهيد ولفتت مناع، وهي تمتلك حاليا مشروعها الخاص، إلى أنها اتفقت مع إحدى الجارات على توصيل طفليها مع أطفالها الثلاثة بسيارتها، على أن تتقاضى أجرا مقابل ذلك، وبعد تفكير جرى تنفيذ الاقتراح، ثم تطور الأمر واتسع وطلبت سيدة أخرى منها إيصال طفلها. وكان ذلك بذرة لمشروع ناجح، عندما استطاعت مناع شراء سيارة خصصتها فقط لتوصيل الطلبة، ثم استقالت من وظيفتها كمندوبة مبيعات لا يتجاوز أجرها ما يعادل مئة دولار شهريا، لتدر ربحا تجاوز 300 دولار من عملها على السيارة، وتوسعت في مشروعها وهي حاليا تمتلك أكثر من عشر سيارات وتعمل جميعها في نقل طلبة المدارس. وأشارت مناع إلى أنها تستيقظ مبكرا لتدير العمل بالهاتف، فهي تقوم بدور حلقة الوصل بين أولياء الأمور والسائقين، لنقل الأبناء من المنازل صباحا أو استلامهم عقب انتهاء اليوم الدراسي وعودتهم إلى بيوتهم، ويعمل معها نحو 30 سائقا يتبادلون دورات العمل صباحا ومساء، وتقوم الحافلة الواحدة بأكثر من دورة توصيل في اليوم الواحد. وبات المشروع وسيلة رزق آمنة للرجال والنساء، قاد أصحابه إلى المتاجرة فيه، حيث تغلبت المصلحة الشخصية لدى بعض الأسر بعد أن عانوا كثيرا. والعزاء الوحيد هو انخفاض أسعار الاشتراك في حافلاتهم عن الحافلات المدرسية، ومنهم من توسع في المشروع واستعان بمشرفات سيدات على الحافلات لمرافقة التلاميذ، تلافيا لحدوث مشاجرات بين الأطفال. ولجأ البعض من أولياء الأمور إلى الاتفاق مع الجيران على نقل الأطفال إلى المدرسة بالتداول، وهو ما فعله رجب عبيد مع جاره محمود، الذي قال لـ”العرب” إن “أحدنا يقوم بنقل الأبناء في الصباح، والآخر يعود بهم بعد الظهر، حتى نستطيع توفيق أوضاعنا مع ظروف العمل، وتحقيق أعلى استفادة ممكنة”. ويشير إلى أن تلك الطريقة رغم أنها بلا أجر، إلا أن تبادل المصالح أتاح فرصة توفير اشتراك حافلة المدرسة الباهظ، والذي أرهق كاهله شهريا، مؤكدا أن التجربة ناجحة، وصعوبتها تتعلق بجمع الأطفال عند نقطة محددة وقت الانصراف، لأن أعمارهم لا تزال صغيرة ويصعب السيطرة عليهم. وتسبب ارتفاع أسعار حافلات المدارس في رواج بعض الشركات المتخصصة في مجال النقل والمواصلات لدورات المدارس، وانتهزت الفرصة هذا العام وبدأت في استغلال حاجة أولياء الأمور إليها ورفعت أسعارها، ما رجح كفة السيارات الخاصة. وتقول خديجة خطاب، ولية أمر، لـ”العرب”، إن شركات النقل الخاصة التقليدية أصبحت أكثر استغلالا من ذي قبل، وأضحت مسؤولة عن وقوع الكثير من الحوادث بسبب قيادة السائقين بسرعة جنونية، لذا لجأت إلى الاتفاق مع إحدى الأمهات على نقل أبنائهما معا في سيارة خاصة، وهذا أكثر أمانا وأقل تكلفة. إذا كانت الحاجة أُم الاختراع، كما يقولون، فإن ارتفاع أسعار الحافلات المدرسية حوّل بعض أولياء الأمور إلى سيدات ورجال أعمال صغار، وربما ذلك ينسيهم الشعور بالمعاناة الرئيسية في أزمة عانوا منها كثيرا، بينما لا يزال آخرون لم يجدوا مخرجا لهذا المأزق، ويلجأون إلى قروض مادية لتوفير نفقات المدارس والحافلات، ما يرهقهم ماديا.
مشاركة :