إن الجيش العربي السوري برغم عبث الولايات المتحدة ومشروعها المُتصهين لضرب ركائز النُظم العربية المُمانعة في هذه الأمة، فإن الجيش السوري والقيادة السورية قد عقدا العزم على طي ملف هذا الصراع المُسلَّح في سوريا، وذلك من خلال إنهاء ما تبقى من خلايا وتجمعات حملت السلاح الأمريكي ومن تسلموا دولاراته لإسقاط النظام في سوريا ودفعها نحو المجهول، فإدلب اليوم ورغم ما بها من كثافة سكانية تصل إلى حدود الثلاثة ملايين نسمة من السكان الذين تتخذهم الفصائل المُسلَّحة المُتمترسة بالدعم الأمريكي والصهيوني دروعًا بشرية ليكونوا غطاءً يصد وطأة نيران الحرب المُشتعلة، فإن إخراج أولئك المدنيين من تلك المدينة هو مسؤولية الأمم المتحدة والفصائل المُسلَّحة نفسها وذلك من خلال توفير ممرات إنسانية آمنة لخروجهم ومنطقيا لا يمكن للنظام أن يقف عائقا في وجه ذلك؛ إذ إن المؤكد أن ما يخدم توجهات النظام هو أن يخرج المدنيين من غير أي سلاح من هذه المدينة ليحصر المُسلحين فقط، فمنهجية التكتيك العسكري التي تبناها النظام السوري طوال المرحلة القريبة الماضية هي عملية حصر المسلحين في مدينة ثم منحهم فرصة الخروج من المدن المُحاصرة حتى نجح آخر المطاف في حصرهم في موقع واحد وهو مدينة إدلب، وتلك الاستراتيجية تعود إلى أمرين أولهما: تفادي استنزاف دماء الجيش السوري وتقليص خسائره وثانيهما: تفادي إراقة دماء المدنيين في المواجهة، وهي استراتيجية تؤكد دقة حسابات الجيش السوري لتقليص كلفة الخسائر العسكرية، حتى نجح اليوم وكما تقدم في حصر جميع المسلحين على أرض إدلب في نهاية المطاف، وهو بكل تأكيد الآن لن يُمانع في خروج المدنيين، حتى لو خرج ضمنيًا معهم مجاميع ممن سيتخلون عن السلاح فلا ضير بالنسبة إلى النظام في ذلك؛ إذ إن هذا التسرب لو حصل من غير أي سلاح فإنه سيصب في مصلحة النظام نفسه، فهو أيضًا لا يرغب في المواجهة العسكرية الكثيفة وشدة استنزافها، فمن ذا الذي خول تلك الفصائل من أهل إدلب باللجوء إلى مدينتهم أم أنها قوة سلاح التمرد المدعومة من الخارج وفرضها نفسها على واقع سكان إدلب بالقوة، وما من شك في أن سكان إدلب وغيرهم من المدن السورية ينشدون السلام والعودة إلى حياتهم الطبيعية لكن هذه الفصائل المتمردة التي رفعت السلاح الأمريكي والغربي في وجه النظام الرسمي هي التي أعطت نفسها الحق في خطف أجزاء من التراب السوري، وذلك لإسقاط نظام ممانع وخلق نظام غيره تُفصِّله الولايات المتحدة وإسرائيل ويكون مرهونًا بإنفاذ توجهاتهما وحماية مصالحهما. إن معركة إدلب من شبه المؤكد أنها ستكون خاتمة فصل هذا الصراع الدامي وأن إصرار القيادة السورية على المُضي في تحرير وطنها من هذا الفتق الذي ابُتليت به هو عين الصواب وأن استقلال الإرادة الوطنية السورية عن الغرب هو المراد، رغم جعجعة الولايات المتحدة واستقطابها لغواصتها في البحر المتوسط، وهو ما حدا بروسيا أن تعمل على استقطاب بوارجها إلى البحر المتوسط ثم الشروع بتدشين مناورات الشرق الكبيرة وبمشاركة الجانب الصيني، كل ذلك يأتي في ضوء التنافس والاستعداد لما قد تُقدم عليه الولايات المتحدة من استهتار بشن ضربات عسكرية ضد الجيش العربي السوري تحت غطاء حماية المدنيين، رغم الوجود الروسي على الأراضي السورية، ونحن وإن كنا نرفض أي تدخل خارجي في أزمة شعب ونظامه إلا أنه لا يُغير من حقيقة قيامه تحت مظلة وضوء ضوابط وقواعد النظام الدولي، لكن وفي نفس السياق، بأي مسوغ ومبرر توجد القوات الأمريكية بقاعدة التنف على بقاع الأراضي العربية السورية؟ أو ليس هذا احتلالا مُباشرا تُعاقب عليه قواعد النظام الدولي؟ وهو ما يُوجب على الشرعية الدولية وضع الولايات المتحدة تحت الفصل السابع من قواعد ميثاق الأمم المتحدة وذلك لكونها مُحتلة لأرض عضو مستقل في هيئة الأمم بقوة السلاح وجبروت القوة وطغيانها بما لا يهدف إلا لتأمين إسرائيل لما هو مُعد للمنطقة العربية، ومجددًا.. فإن الصورة واضحة من خلال هذه التصرفات الأمريكية من كسر قواعد النظام الدولي الذي تسبب في حصول الفوضى الدولية وتداخل باقي الدول وأجنداتها في المنطقة العربية ولو وقفت الولايات المتحدة عند حدود القانون الدولي في تعاملها مع العرب، وخاصة النظم الجادة منهم برفض الولايات المتحدة ودعمها لمشروع إسرائيل على أرض العرب لما كان قد حصل ما هو حاصل اليوم من الاستنزاف والعبث بالدم العربي على امتداد الأرض العربية، أما المُدعين بالتباكي على دم أهلنا في سوريا فهؤلاء في حقيقة الأمر لا يعنيهم الدم السوري على قدر ما يعنيهم خوفهم من حصول أي متغير في المنطقة من شأنه أن يكشف أصولهم وما حاولوا تخبئته من عورات عبر السنين، والحقيقة أنهم لو تمعنوا قليلاً في فهم قواعد لعبة تشكل النظام الدولي الجديد التي تسعى الولايات المتحدة إلى إرسائه للمسوا أن أي نجاح لذلك المشروع في سوريا والعراق، فانه سينعكس بشكل مباشر على مناطق الخليج العربي مستقبلاً، وأن صمود البعث السوري هناك وثباته سيُفضي إلى فشل ذلك المشروع المُخرب لباقي المناطق العربية بمعنى آخر إن كل صمود للدولة السورية وفشل للمشروع الأمريكي سيؤدي إلى حماية باقي دول المشرق العربي، لكن هؤلاء المُتشدقين بحب هذه الطائفة وتلك على الأراضي السورية لم تعم أبصارهم بل عميت قلوبهم التي في الصدور وواقع الحال أن ما لم يكن من هذه الأمة بجوهره، بل يُخفي شيئا يخشى يوم فضحه، فإنه لا يهتم للأمة ولا دمائها، بل إن كل ما يعنيه ويُقلقه هو أن يُخفي ما يريد ستره من عيوب، ولن يجد سبيلا إلى ذلك غير التلبس برداء الإسلام السياسي ومظلومية هذه الطائفة هنا وتلك الطائفة هناك، وهؤلاء لا يجدون سبيلا للاختباء خلف إخفاء جوهرهم سوى تكريس الطائفية والفتن المذهبية لا غير لأنها هي الساتر الوحيد لإخفاء أصلهم وعيوبهم تمامًا، كما تفعل الأصول غير العربية وكُتلها السياسية التي انحدرت من إيران بدعم وغطاء أمريكي لحكم العراق ولزرع الفتنة الطائفية فيه وتحت غطاء ظلام الطائفة والفكر السياسي المذهبي الفاسد، لكن العرب العاربة يرون أن توقف النزيف السوري ورجوع أهلنا إلى ربوع وطنهم خير ألف مرة من أن يكونوا مُشتتين في الأمصار تحت عطف وصدقة من هذا أو ذاك ممن هم دونهم من الأمم والأقوام، إن من يرصد اليوم تفاصيل الحوارات الأمريكية الإيرانية السرية المُستجدة لتشكيل الحكومة في العراق وبعيدًا عن إرادة شعب العراق وخياراته الذاتية ثم كانت لديه ذرة من حياء بالوجه لا بد أنه سيصل إلى قناعة تامة بأن إيران وأمريكا لن تتحاربا في يوم من الأيام بل إن تشدقات إيران وحليفها في لبنان برمي إسرائيل في البحر ما هي إلا أكاذيب وضرب من تحت الحزام لقتل العراق الخطر المؤكد عليهم جميعًا ومن ثم الإجهاز على الأمة العربية بأكملها، وأخيرًا إذا قُدِّر لمعركة إدلب أن تكون فاصلة وخاتمة هذا الصراع في الأرض العربية السورية فإنه لا بد بعدها من انتهاج عملية سياسية جديدة وتشكيل دستور جديد يحفظ لكل السوريين حقوقهم بعيدًا عن تيارات الإسلام السياسي وتطّيره بالأجندات الغربية وألا يُستثنى من العملية السياسية أي تيار سياسي شريطة أن يكون بعيدًا عن التحزب الديني والطائفي وبعيدًا كل البعد عن أي تشكيل لعقيدة الإسلام السياسي وتكون القاعدة الدستورية الأولى هي عروبة سوريا وحفظ نطاقها الجغرافي ومن ثم الالتزام بقاعدة دستورية أساسية لا تُمس دستوريًا مهما تعاقبت الأحزاب على الحكم وأن تنص على ( أن مصير الشرق العربي ومصالحه جزء واحد لا يقبل التجزئة مهما سعى الغرب أو الشرق إلى كسر ذلك وأن سوريا جزء من الأمة العربية وهي تسعى إلى وحدتها وانبعاث نهضتها)، عندها يكون من الممكن حصول تنافس للتعددية الحزبية على حكم سوريا ويكون حزب البعث العربي الاشتراكي وغيره على مسافة واحدة من حكم البلاد، بعدها يُقرر السوريون وحدهم وبإرادتهم المستقلة عن الخارج أي الأحزاب أنسب لحكمهم.
مشاركة :