تتبعنا البيانات والأخبار والتحليلات المتعلقة بالبصرة وسيناريوهات الكتل الانتخابية في حراكها ولقاءاتها من أجل تشكيل كتلة نيابية اكبر، محاولة استثناء جماعات موالية لايران من نصيبها في تركيبة مجلس الوزراء القادم في العراق، فيما تحاول الجماعات العراقية الموالية لإيران قدر الإمكان استبعاد كتلة حيدر العبادي، من أن تكون ضمن تركيبة الحكومة القادمة بل وتحديدًا التركيز على استبعاد شخصية العبادي نفسه من رئاسة الوزراء. عملية الشد والجذب بين التيارات متلونة ومتعددة ومتباينة، ولكنها في الفرز النهائي تلتقي في بوتقة واحدة هو مقدار ابتعاد واقتراب كل كتلة من هيمنة قم والحرس الثوري الايراني في شؤون العراق. لم يعد بإمكان أي كتلة أو تيار وصم خصمه بالتنقيص أو الفساد أو الاهمال وسوء التبذير أو غيرها من التهم، فلكل طرف نصيب لا يحمد عليه من نصيب الفساد وسوء الادارة، وقد تحولت المقارنة بين الاقل فسادًا والاكثر فسادًا هي الظاهرة. وحالة البصرة نموذج تراجيدي لحالة المحافظة ولمدى تغلغل النفوذ الإيراني في الاجهزة كلها. وقد ذكر «نداء البصرة» الموقع من مجموعة من المثقفين عنوانًا واضحًا عن ما آلت اليه البصرة حيث جاء في نص البيان: «مصير بلادنا اليوم معقود على البصرة. لم تعد المعركة التي يخوضها شباب البصرة من أجل الماء والكهرباء على ضرورتهما، إنما هي الوقفة الغاضبة بوجه الفساد الذي ينخر الدولة ومستقبل أجيالها وعلى مبدأ المحاصصة الذي يعطل أية إمكانية للاصلاح». هذا بالفعل مربط الفرس وجوهر الازمة وذيولها. والغريب في ازمة البصرة والعراق برمته نجد المرجعية الدينية فيه كالسيستاني هو من يقرر مصير العراق بكل سهولة كما يقرر خامئني في ايران مصيرها «برفضه تولي الاسماء الخمسة المرشحة لرئاسة الحكومة وعلى رأسها حيدر العبادي». وفي ذات الوقت كان السيستاني من وراء الكواليس، يفاوض ممثلا عن ايران دون ذكر اسمه – بينما التسريبات – تشير على أنه قاسم سيلماني – حيث نشرت وكالات الانباء بكل شفافية ما يلي: «أبلغ المرجع السيستاني المفاوض الايراني في اجتماع بالنجف أن كلا من حيدر العبادي ونوري المالكي فضلاً عن هادي العامري وفالح الفياض وطارق نجم لا حظوظ لهم في تولي منصب رئاسة الحكومة العراقية المقبلة». فاذا ما سمعنا وجهة نظر المرجعية، فإن الوجه الآخر الخفي من رأي «المفاوض!» الايراني لم نسمعه بوضوح. ومن خلال التضاربات والتكتيكات في التفاوض والحوار، نجح الايرانيون والسيستاني بتغيير وجهة نظر الصدر في دعم حيدر العبادي لمنصب الرئاسة في دورة ثانية، بحيث إذا لم تنجح طهران بحكومة لها نصيب كبير منها، فإنها لن تسمح بسهولة على قبول شخصية أو حكومة تناصبها العداء والتهميش في الشأن العراقي، وتضيّق على ميليشياتها الحركة والانتشار، كما فعل العبادي بعزل اسماء مهمة كفالح الفياض والدعوة لحل ميليشيات الحشد الشعبي (كقوة عسكرية موالية لايران وموازية للجيش). وانتفاضة البصرة الاحتجاجي لم تكن معزولة عن حقيقة «الصراع السياسي بين كتلتين كبيرتين تسعيان لتشكيل كتلة اكبر في البرلمان العراقي، بين تحالف يقوده المالكي والعامري المدعوم من ايران في مواجهة تحالف (الاعمار والاصلاح) الذي يقوده مقتدى الصدر وحيدر العبادي». ويدفع العبادي ثمناً لوطنيته داخل كتلته الائتلافية المبرقشة بالتجمعات والاحزاب، حيث تشهد «انشقاقات داخل ائتلاف العبادي على خلفية إقالة رئيس جهاز الامن الوطني وهيئة الحشد الشعبي فالح الفياض». والعلة الكبرى في هذه الازمة الوزارية في حكومة بغداد المتعثرة باختيار وتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات، بحيث تكون المحاصصة اكثر قبولا للشارع السياسي، فقد طلت ازمة البصرة بظلالها في تغيير موقف الصدر من العبادي مائة وثمانين درجة فقد «تطور موقف الصدر بمطالبة العبادي بالاستقالة هو ووزارته على خلفية فشله إدارة ازمة محافظة البصرة» وهذا ما يسعد الموالين لايران في العراق مثلما يفرح كل عناصر الحرس الثوري وحكومة قم، فقد وصف قيس الخزعلي امين عام عصائب اهل الحق – والمنضوي تحت تحالف (الفتح) التابع لمليشيات الحشد الشعبي – خطوة مقتدى الصدر بأنها جاءت في الوقت المناسب لمعالجة الاوضاع الحالية، خاصة الوضع المتفجر في البصرة. وصوت الخزعلي هو صوت الحرس الثوري الايراني محلياً، مؤكدا الخزعلي ان توافق الفتح وسائرون يمثل استقرار العراق ونجاح الحكومة القادمة. وبذلك تكون منسجمة طروحات الخزعلي مع هادي العامري بضرورة استقالة العبادي بقوله: «سينقلب السحر على الساحر».
مشاركة :