انتشر مؤخرا في الأوساط الطلابية بمصر ما أطلق عليه “حفلات الزواج العرفي” بشكل يفتح باب التساؤل عن طبيعة الظاهرة التي تشابكت أسبابها وتنوعت بين نقص الوازع الديني، وبين الظروف الاقتصادية السيئة والانفتاح الإلكتروني وسهولة التواصل بين الجيل الشاب، بالإضافة إلى ضعف الثقافة الاجتماعية التي تمثل الحارس القيمي على تقاليده وأعرافه. أصبحت موضة الزواج العرفي متأرجحة بين طبقة طلاب الجامعات الفقيرة منها والثرية وبين الخلل في النسق المجتمعي القائم، خاصة بعد صدور دراسة حديثة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة تؤكد ارتفاع معدل الزواج العرفي في المجتمع الطلابي. كما أظهرت الإحصائية السنوية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، حول معدلات انتشار ظاهرة الزواج العرفي على امتداد المحافظات المصرية من ريف وحضر ووجه قبلي وبحري، ارتفاع عدد عقود توثيق الزواج العرفي “التصادق” إلى 149 ألفا و232 عقدا عام 2017 وهذا العدد يمثل نسبة 16.4 بالمئة من جملة عقود الزواج مقابل 128 ألفا و411 عقدا في عام 2016 بزيادة قدرها 16.2 في المئة. والتصادق هو تسجيل زواج عرفي تم بين زوجين بتاريخ حدوثه بينهما مهما طالت مدته لتكتسب الزوجة حقوقها الشرعية. وتتحدث منال (20 سنة) طالبة بكلية التجارة عن تجربتها قائلة “أحببته لأنه كبير في السن كنت دائما أقول لصديقاتي: إنني لن أتزوج إلا رجلا ناضجا قادرا على تحمل المسؤولية، بدأت أزوره في مكتب المحاسبة الخاص به، حتى توطدت العلاقة بيننا فقلت له بصراحة إنني لا أستطيع أن أرتكب معصية الزنا، فأجابني بأنه لا يستطيع أن يغضب زوجته، واقترح أن نتزوج عرفيا، فوافقته على طلبه وما هي إلا أشهر حتى عرفت زوجته بالأمر، وأجبرته على قطع علاقته بي تماما”. وتقول مها (19 عاما) طالبة “لقد نجح في إقناعي بتلك الفكرة المجنونة، حيث قال لي نحن طالبان ولا يمكنني تحمل تكاليف الزواج، وأن أهله لن يسمحوا له بالزواج وهو على مقاعد الدراسة، كان وسيما لبقا وكنت أحبه ولم أكن أفكر في شيء إلا في الطريقة التي أستطيع أن أكون فيها معه، تم كل شيء بسرعة كتبنا ورقة قلت فيها زوّجتك نفسي وأجاب: وأنا قبلت، هكذا تزوجنا بكل يسر وسهولة فلا مهر ولا شهود ولا مأذون”. وأضافت: كنا نلتقي في شقة صغيرة يملكها أحد أصدقائه، وبعد مدة قصيرة بدأ يتهرب مني، ثم كانت الصدمة الكبرى عندما قابلته لآخر مرة وأخبرني أنه لم يعد يرغب بالاستمرار في علاقتنا، وقبل أن أفتح فمي بكلمة قال: إنك لا تستطيعين المغامرة بفضح نفسك، وأعطاني عنوانا لطبيب يقوم بترقيع غشاء البكارة وقال لا تحملي همّا لقد اتفقت معه على كل شيء ودفعت له مقدما حتى لا تتهميني بأنني نذل أو جبان. أما محمد (23 سنة) فيروي قائلا “منذ أول لحظة شاهدت فيها منى بالجامعة أحببتها، وفاتحت والدي في رغبتي بالارتباط ففوجئت به يثور علي ويصرخ في وجهي متهما إياي بالأنانية وعدم التفكير في أحد غير نفسي فقط، لأنني لم أفكر في إخوتي الثلاثة الصغار المحتاجين لكل الأموال ليتعلموا، وذهبت إلى أهل فتاتي بمفردي ورويت لهم ظروفي كاملة ولم أخف عنهم شيئا، وأكدت لهم أن حبي لابنتهم كاف ليجعلني أتخطى كل الصعاب فأجاب والدها باستهزاء من طلبي وسألني وهو يضحك: هل يعقل أن أضع يدي في يد شاب يأخذ مصروفه كل يوم من أبيه؟"”. الزواج العرفي انتشر أيضا داخل طبقات المجتمع الراقي التي لا يجد شبابها مشكلة في الزواج مثل زواج الدم وزواج الكاسيت وتابع “قررنا أن نتزوج عرفيا واتفقنا على كتابة عقد الزواج العرفي، واتفقنا مع فرقة موسيقية لإحياء الحفل الذي يضم عددا من زملائنا الأحبة الذين يرغبون في تتويج قصة حبهم، وقمت أنا وبعض العرسان بتأجير شقة مفروشة في حي بسيط، وبدأت أنا ومنى نتقابل فيها مرتين في الأسبوع نمارس فيها حياتنا كأي زوجين طبيعيين، ونفس الشيء بالنسبة لباقي زملائي ولا أحد يلومنا لأن الحب ليس خطيئة وإنما أجمل ما في الحياة”. ومن جانبها تقول الدكتورة عزة كريم علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة: إذا لم تستح فافعل ما شئت.. هؤلاء شبان ضائعون لا هدف لهم في الحياة كل همهم هو إشباع غرائزهم تحت مسمى الحب، وحتى لا يشعروا بتأنيب الضمير قاموا بكتابة ورقة لا قيمة لها في المجتمع، لكنها بالنسبة لهم الحل، ولقد لعبت وسائل الإعلام دوراً في حدوث ظاهرة الزواج العرفي، حيث أكدت مرارا وتكرارا على شرعية هذا الزواج سواء خلال الأفلام أو المسلسلات التي تدافع عن المرأة المتزوجة عرفيا وظهورها بمظهر المغلوب على أمرها. كما أكدت على شرعية الزواج العرفي إذا توافرت فيه شروط الزواج الصحيح، وهي الموافقة والقبول والإشهار، وكانت حجتها لرفض الزواج العرفي وبطلانه عدم توافر عنصر الإشهار فيه فلجأ مثل هؤلاء الشباب لإقامة حفلة وقاموا بدعوة زملائهم إليها حتى لا يكون هناك ما يبطل هذا الزواج، وإذا سألهم أحد عن مدى صحة زواجهم هذا يؤكدون أن كل أركان الزواج السليم متوافرة لديهم. وأضافت: قبل أن نتساءل عن أسباب قيام هؤلاء الشبان بالإعلان عن زواجهم لا بد أن نتساءل عن حدوث الزواج العرفي من الأساس، وبالرغم من الدور الذي لعبته الظروف الاقتصادية السيئة في دفع الشباب لعقد مثل هذا النوع من الزواج إلا أن هناك عاملا أكثر خطورة ساعد على انتشار الزواج العرفي، وهو غياب الأسرة وعدم مراقبتها لأبنائها وعدم قيامها بزرع المبادئ والقيم النبيلة في نفوسهم منذ الصغر، وتركت لوسائل الإعلام هذا الدور. وتابعت موضحة “ما يؤكد كلامي هذا أن الزواج العرفي قد انتشر أيضا داخل طبقات المجتمع الراقي التي لا يجد شبابها مشكلة في الزواج مثل زواج الدم وزواج الكاسيت وأخيرا زواج الإنترنت، وكلها بدع قادمة من الغرب يبثها الشباب دون تفكير ودون من يقول لهم هذا خطأ وهذا صواب! وأضافت “أؤكد أن قيام هؤلاء الشباب بتنظيم حفلة لزواجهم هو محاولة لإضفاء حالة من الشرعية على هذا الزواج الذي يرفضه المجتمع ورغبة منهم في الضحك على أنفسهم وعلى مجتمعهم بحجج لا يقبلها منطق ولا عقل!”، محذرة من خطورة الظاهرة التي ارتفعت بشكل ملحوظ.
مشاركة :