الجزائر - تستمر أزمة البرلمان الجزائري بعد اشتداد القبضة بين رئيسه وبين المناوئين له، ففيما واصل سعيد بوحجة مهامه في مكتبه إلى غاية مساء أمس، تسود كواليس الهيئة حالة من الغليان والترقب، حول ما ستسفر عنه التطورات الأخيرة، ومصير الاستقطاب الحاد بين الطرفين، خاصة في ظل صمت الرئاسة وعدم حسمها في الصراع القائم. أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى) للبرلمان الجزائري سعيد بوحجة، مساء أمس، أنه باق في منصبه ويتابع أشغاله اليومية في مكتبه، وغير متسرع في مسألة الاستقالة، والجدل الدائر في كواليس البرلمان والساحة السياسية. وأفاد مصدر مطلع في البرلمان لـ”العرب” أن “بوحجة أكد لمقربيه بأنه غير مكترث لما يثار هنا وهناك، وأن القرار الحاسم يعود إلى مؤسسة الرئاسة التي عينته في هذا المنصب، وأنه لا مانع لديه في الاستقالة إذا كان الأمر بطريقة شرعية ويصب في سياق التداول على قيادة المؤسسات”. وأضاف المصدر أن “سعيد بوحجة ينتظر إيحاء من رئاسة الجمهورية بالرحيل من منصبه أو البقاء فيه، وأن عريضة سحب الثقة والتهديدات التي أطلقها الرجل الأول في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم جمال ولد عباس، غير مكترث بها”. وأمام إقرار دستور البلاد بانتخاب رئيس الهيئة لعهدة نيابية من خمس سنوات، فإن عريضة سحب الثقة التي وقع عليها 320 نائبا من حزب الأغلبية وباقي أحزاب الموالاة (التجمع الوطني الديمقراطي، تاج، الحركة الشعبية الجزائرية وبعض المستقلين)، تبقى لاغية وغير شرعية، قياسا بصراحة البند الدستوري، الذي ينص على أن الفراغ أو الشغور يكمن في حالة “الوفاة أو العجز أو الاستقالة”، ولم يذكر حالة سحب الثقة. Thumbnail وتثير حالة البرلمان الجزائري أزمة سياسية نادرة في البلاد، لم تحدث إلا في عام 2004، عندما دفع رئيس البرلمان آنذاك كريم يونس إلى الاستقالة على خلفية معارضته لانتخاب الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة ودعمه للمرشح علي بن فليس. والفارق بين الحالتين هو أن الأزمة الأولى دارت بين قطبين متصارعين على الرئاسة، أما الثانية فتترجم حدة التجاذبات الداخلية بين أجنحة السلطة، رغم استناد جميعها إلى دعم وتزكية رئيس البلاد. وكان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس، قد هدد في تصريحه الأخير، بأنه يدعو “سعيد بوحجة إلى حمل حقيبته من البرلمان، والامتثال لإرادة أغلبية النواب الذين لا يريدون العمل معه، وأن أي عناد من طرفه سيدخل الهيئة والبلاد معا في حالة انسداد، وأن بقاءه سيعني تجميد أعمال وسير أشغال البرلمان”. ونفى رئيس البرلمان أن يكون مكتب الهيئة التشريعية قد انعقد نهار أمس، للنظر في مسألة عريضة سحب الثقة، وأنه يواصل عمله في مكتبه بصفة عادية، كما رفض التعليق على مضمون التصريح الذي أدلى به جمال ولد عباس، أمام مناضليه في مدينة المدية (120 كلم جنوبي العاصمة) نهاية هذا الأسبوع. ويرى مراقبون للشأن الجزائري أن أزمة البرلمان تعكس حالة الشغور في المؤسسة الأولى بالبلاد (الرئاسة)، ومركزية القرارات والصلاحيات في مكتب رئيس الجمهورية، مما أفضى إلى حالة من الجمود في مفاصل ومؤسسات الدولة، بسبب الوضع الصحي لبوتفليقة، وتعذر قيامه بمهامه الدستورية. كما تترجم حالة الغموض التي تلف إدارة شؤون البلاد، ففيما تدير جميع الأجنحة صراعاتها بتزكية مزعومة من رئيس البلاد، يقود التضارب بينها إلى استنتاج أزمة داخل السلطة الحاكمة، فاستناد الحزب الحاكم إلى ما يسميه بـ”توجيهات رئيس البلاد ورئيس الحزب (بوتفليقة) في اتخاذ أي قرار”، وتأكيد سعيد بوحجة على أن مسألة استقالته تأتي من مؤسسة الرئاسة وليس من الحزب الذي رشحه وانتخبه رئيسا للبرلمان، يؤكد على أن القبضة الحديدية بين الأجنحة المتصارعة والزعم بتزكية بوتفليقة، هما شماعة لتعليق وتبرير معاركها غير المنتهية.
مشاركة :