الغافل لا يرى من الأخطاء شيء، والمتغافل يعرف كيف ومتى يرى الأخطاء. في الغفلة مضيعة وفي التغافل منفعة. التغافل نوع من التمثيل والتصنّع للغفلة من باب الترفع عن سفاسف وصغائر الأمور. التغافل يبني جسور المودة والألفة، ويحمى مسار العلاقات الأسرية والاجتماعية من التصدع .. في حين أن التدقيق يجعل من الحبة قبة ومن القبة مزاراً للنكادة وغياب السعادة. الذي يدقق في كل شيء يقلب حياته وحياة من حوله إلى جحيم لا يطاق، ويجعل من نفسه راداراً ومجهراً لتصيّد وتضخيم الهفوات والزلات، ومحاسبة كل كبوة، وملاحقة كل شاردة وواردة. التغافل عن أخطاء الحياة الزوجية أمان ودماثة خلق. والتغافل من قادات المجتمع حلم يُحتوى به الخصوم ويجمع به المناصرين والأصدقاء والمحبة والولاء. “من كان يرجو أن يسود عشيرة فعليه بالتقوى ولين الجانب ويغض طرفا عن إساءة من أساء ويحلم عند جهل الصاحب” والتغافل في بيئة العمل حكمة وحنكة.. “جاء في شعب الإيمان للبيهقي أن محمد بن عبدالله الخزاعي قال: سمعت عثمان بن زائدة يقول: العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل. قال: فحدثت به أحمد بن حنبل فقال: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل” تهتز الثقة أمام لغة اللوم والعتاب والتقريع المستمر على كل صغيرة وكبيرة.بل وتذهب الغاية الكبرى من النصح والتصحيح، “فكثرة المساس تذهب الإحساس”! وقد قيل “لا تستخدم سوطك ما دام يجدي صوتك.. ولا تستخدم صوتك ما دام يجدي صمتك” اللوم والتقريع أقرب طريق إلى النفرة والجفاء وحدوث القطيعة والشحناء والكراهية والبغضاء. ” إن القلوب إذا تنافر ودها ** مثل الزجاجة كسرها لا يجبرُ” المتغافل شخص واقعي يدرك أن الخطأ وارد ومن طبيعة البشر ولا لأحدٍ عصمة، ويعلم أن التقصي ينافي أدب المروءة، ويخالف شيم الكرماء.. المتغافل كالبحر الذي لا تكدره الدلاء. قد تسمعه يردد بيت زهير بن أبي سلمى: ومن لم يصانع في أمورٍ كثيرةٍ ** يضرس بأنيابٍ ويوطأ بمنسم حينما ندرك أن الحياة تجمعنا في محيط واحد وتفرض علينا سبل التعايش والتجانس رغم الإختلاف فيما بيننا من الفروق الفردية ومع حتمية وقوع الهفوات والزلات. فإن هذا الإدراك الواقعي يحتّم علينا تطوير مهاراتنا في التعامل مع الأخطاء العابرة والصغيرة بروح التغاضي والتغافل لستمر الحياة.
مشاركة :