لماذا نكره الفرح ونعشق الحزن؟! - فاضل العماني

  • 1/4/2015
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

تتسابق المجتمعات والشعوب والأمم المتحضرة في إنتاج وصناعة وترويج مصادر الحب والفرح والمتعة والبهجة في تفاصيل حياتها المختلفة، لأنها أدركت مبكراً أهمية وضرورة وتأثير تلك المصادر على تمدنها وتطورها وازدهارها. في تلك المجتمعات الذكية والديناميكية، تكثر الاحتفالات والمناسبات والمهرجانات والأيام التي تُخلّد الذكريات الجميلة وتُشيع الفرحة والبهجة في نفوس الصغار والكبار. شاهدت تقريراً أمريكياً، يتناول الأيام والمناسبات المتنوعة والمتعددة التي تحتفل بها الولايات والمدن والقرى الأمريكية، وتفاجأت من عددها الكبير، بل وذهلت من طرافتها وغرابتها. فهناك أيام خاصة للاحتفال ببعض الفواكه والمزروعات والحيوانات والشهور والألعاب والمسابقات الشعبية والحروب والأعاصير والكوارث والاختراعات والابتكارات والكثير من النماذج والمناسبات المتنوعة التي توجد في روزنامة المجتمع الأمريكي الذي يحرص بمختلف أفراده وفئاته على الاهتمام والاحتفال بها. كما خصص هذا التقرير الرائع، مساحة كبيرة للمناسبات الخاصة والعائلية لمختلف أعمار وطبقات المجتمع، كالاحتفال بذكرى الولادة والخطوبة والزواج والتخرج من الروضة والمدرسة والجامعة، وكذلك الحرص على توثيق المناسبات المهمة للاحتفال بها وتذكرها كل عام كأول كلمة كاملة ينطقها الأبناء، واليوم الأول في الانتقال والعيش في المنزل، ولقاء المشاهير والنجوم، والكثير الكثير من الأيام والمناسبات. ولم يكتف ذلك التقرير المذهل بعرض المناسبات والمهرجانات الأمريكية، بل أورد بعض الاحتفالات والمهرجانات التي تُقام في الكثير من المجتمعات الغربية والشرقية. فمثلاً، عرض التقرير مهرجان "اب هيلي" والذي يعني نهاية الأيام الخالدة، والذي يُقام باسكتلندا، حيث يتم حرق سفينة بارتفاع 32 قدماً شبيهة بسفن الفايكنج. وفي اسبانيا، يجتمع عشرات الآلاف في شهر أغسطس، ليتحاربوا بالطماطم لمدة ساعة في احتفالات صاخبة تُسمى "توماتينا"، ويُشارك فيها أكثر من 30 ألف سائح. وفي تايلاند، يُدعى 600 قرد لوليمة من الفواكه والخضروات للاحتفال بيوم "راما" وهو بطل أسطوري كافأ ملك القردة بوليمة لتحالفه ووقوفه معه. وفي إنجلترا، يُقام مهرجان "الجبنة المتدحرجة"، إذ يُلاحق المتسابقون عجلة من الجبن وزنها 7 كيلوجرامات، تُرمى من أعلى تل، ومن يصل إليها أولاً تكون من نصيبه، وهو تقليد قديم جداً ويعود للعصر الروماني. وفي الهند، تُشارك النساء ب "عيد الألوان"، حيث ترمي النساء بعضهن بألوان خاصة تُدعى "جولان" للاحتفال بقدوم الربيع، وهو تقليد سنوي يُحاكي أسطورة هندية تتحدث عن "أمير الفيشنو" الشخصية الشريرة. ولقد انتظرت بلهفة وشوق وحماسة حتى نهاية التقرير، لأجد بعض مظاهر الاحتفالات والمناسبات والمهرجانات في عالمنا العربي، ولكنني أصبت بخيبة أمل، إذ خلا ذلك التقرير الطريف من أي مناسبة أو احتفالية عربية. أعرف جيداً، بأن المقارنة بيننا وبين المجتمعات الغربية والشرقية المنفتحة، ظالمة وفي غير محلها، لأسباب كثيرة ومعقدة، ثقافية وفكرية واجتماعية وحضارية وعقدية، ولكن ذلك التصحر والفقر والندرة في مختلف ملامح ومصادر الفرح والبهجة والمتعة في مجتمعاتنا العربية، قضية خطيرة للغاية، وتحتاج لوقفة بل وقفات تأمل ودراسة، بل ومعالجة. إن المجتمعات التي تتبنى ثقافات وسلوكيات وعادات التجهم والتشدد والانغلاق، ستُفرز بلا شك، أجيالاً مشوهة فكرياً وثقافياً وحضارياً، وتقع في براثن العنف والتطرف والتوحش، ولعل تنامي منسوب الاحتقان والصراع والتأزم في مجتمعاتنا العربية، يؤكد على جنوح بوصلتنا باتجاه ذلك المسار الخطير. يبدو أن الوقت قد حان لإشاعة مظاهر الحب والفرح والبهجة في مختلف تفاصيل حياتنا، لأن أعباء وضغوطات المرحلة الصعبة التي نعيشها تتطلب إعادة النظر في الكثير من أفكارنا ومعتقداتنا وقناعاتنا، خاصة تلك التي تجاوزها الزمن بكثير. إن مجرد الاحتفاء والاحتفال بالذكريات والأيام الجميلة والخالدة، لا يعني بالضرورة الوقوع في فخ الضلال والابتداع والمحاكاة للغرب، ولكنها أي تلك الاحتفلات طريقة جيدة لنعيش حياتنا بحب وفرح وسعادة. همسة أخيرة لمن يُحسن السمع: إن صناعة الحب والفرح والبهجة في زي مجتمع، كفيلة بأن تجنبه الكثير من المشكلات والويلات والأزمات.

مشاركة :