لماذا لا نُشاهد الصورة كاملة؟ - فاضل العماني

  • 8/16/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

في كثير من الأحيان، نواجه نحن الكتاب مشكلة معقدة جداً خلال كتابة الأفكار والمحاور والمواضيع التي نود طرحها عبر مقالاتنا الصحفية، وهي - أي تلك المشكلة - التنقل والتردد والتأرجح بين الأهداف والرؤى والرسائل، حيث تتغير وتتبدل وتتحور بشكل دراماتيكي مثير، ولا تكاد تستقر فكرة مقال حتى تطرأ فكرة أخرى وهكذا. هذا لا يحدث دائماً، ولكنه يُشكل تحدياً قاسياً لكل الكتاب، مع تفاوت درجة التأثير من كاتب لآخر. تلك ليست مجرد مقدمة، ولكنها تجربة مريرة شكّلت هاجساً ملحاً بالنسبة لي أثناء كتابة هذا المقال، إذ لم أستقر على اختيار أو تحديد موضوع المقال إلا بعد عملية فرز ومراجعة لأكثر من فكرة مهمة تستحق الكتابة. في البدء، أثارت الورقة البيضاء التي لم تُصافحها الحروف بعد، الكثير من الأسئلة والإشكالات والأزمات التي مارست ضغطاً رهيباً لتكسب معركة الاختيار لهذا المقال. أسئلة ومواضيع وملفات كثيرة، بعضها يتكرر باستمرار، وبعضها أشبه بجروح مفتوحة ونازفة، بينما بعضها الآخر مازال يبحث له عن خانة مناسبة في ساحات الشكوى والنقد والمطالبة. لماذا لا أكتب عن ظاهرة الفساد التي تُعتبر "أم الظواهر"، والصخرة الصلدة التي تتكسر أمامها الكثير من الطموحات والأحلام والتطلعات، بل والتحولات التنموية الكبرى التي يحتاجها المجتمع بأفراده ومكوناته وتعبيراته؟ أم أكتب عن الصعوبات والتحديات التي تواجه قطاع التعليم الذي يُمثل الخطوة الأولى في مسيرة التقدم والتطور والازدهار الوطني، خاصة وأن هذا القطاع المهم يتصدر كل القطاعات والمجالات من حيث الكثافة والإنفاق؟ هل أكتب عن ظاهرة التشدد التي تجتاح شبكات التواصل الاجتماعي - بل وأغلب التفاصيل الأخرى - والتي تحولت من مجرد واقع افتراضي إلى حقيقة واقعية باتت تُشكل فكرنا ووعينا ومزاجنا وسلوكنا؟ لماذا لا أكتب عن ظاهرة عقوق الأبناء تجاه الآباء والأمهات، وهي ظاهرة مخجلة جداً، تستحق التأمل والدراسة والتقييم، لأنها لا تتناسب مع قيمنا الدينية ومبادئنا الإنسانية وعاداتنا المجتمعية؟ هل أكتب عن التعصب بمختلف أشكاله ومستوياته، الرياضي والقبلي والطائفي، وهو ظاهرة مقيتة تُمثل جسراً قصيراً لتفكك وتصدع وخلخلة البنية المجتمعية الأصيلة التي أسسها الأجداد وتعاهدها الآباء كل تلك العقود الطويلة؟ وأسئلة كثيرة أخرى، كانت تتصارع من أجل كسب ود الحبر الذي أوشك على سكب قراره الأخير باختيار أحد المواضيع التي أثارتها بإلحاح تلك الأسئلة المهمة. ماذا لو تمردت قليلاً، وخرجت من سجن تلك الأسئلة التي تغص بالنقد والاعتراض والشكوى واللوم والعتب، بل والسوداوية؟ سؤال كهذا، باغتني بشكل مفاجئ أثناء عملية الفرز والاختيار، فقررت أن أترجم قناعتي بأهميته وأحقيته ووجاهته، وأكتب عن الجوانب المضيئة التي يزخر بها الوطن، كل الوطن. أليست الموضوعية والمصداقية والشفافية، تقتضي أن نُشاهد الصورة كاملة ومن كل الزوايا، وأن نكون على مسافة واحدة من السلبيات والإيجابيات، وأن يُمارس النقد دوره الحقيقي في كشف مكامن الضعف والخلل والقصور دون أن يُغفل إبراز ملامح التميز والنجاح والإبداع؟ الأحد المقبل، سأكتب عن أهم مصادر الفرح والفخر والإعجاب التي يتمتع بها هذا الوطن. بالنسبة لي، قائمة الفخر الوطني، جاهزة لمصافحة عين وقلب ووجدان الوطن، ولكن ماذا عن قائمتك أنت عزيزي القارئ؟

مشاركة :