المحرر الصحفي أو كاتب المقال، ليس معصوماً من الخطأ أو الزلل، ولكنه يجتهد لنقل الصورة/القضية كما يراها طبعاً إلى القراء، ولكنه في حقيقة الأمر، يوجه سهام حروفه للمسؤول وصانع القرار، لأنه الوحيد الذي يملك مفاتيح الحل والإصلاح والتغيير. والعلاقة بين الصحفي/الكاتب والمسؤول والتنفيذي، يجب أن تكون تفاعلية وتكاملية وحضارية منذ مدة ليست بالقصيرة، صدرت توجيهات كريمة من المقام السامي، تؤكد ضرورة وأهمية تجاوب المسؤولين وصنّاع القرار بمختلف مهامهم ومناصبهم مع كل ما يُكتب في الصحافة، بل وفي مختلف وسائل الإعلام، وشدد على أن تكون العلاقة تفاعلية وتكاملية بين الطرفين صحافة ومسؤولين وأن تتصف بالصراحة والشفافية والتعاون، وذلك من أجل إحداث تنمية شاملة ومستدامة في هذا الوطن العزيز، إضافة إلى النهوض بمستوى الخدمة المقدمة للمواطن على كافة الصعد والمستويات. التفاتة رائعة كهذه، تلقفها المجتمع بكامل اطيافه ونخبه بفرح وتقدير وأمل، خاصة من يعمل في مجال الصحافة الذي يُعتبر الجسر الذي يصل المسافة البعيدة بين احلام وطموحات وتحديات المواطن، وبين المسؤول وصانع القرار. ويُعتبر الصحفي، سواء أكان محرراً أم كاتباً، هو المعني الحقيقي بهذا التوجيه السامي، إذ وجد فيه دعماً قوياً ومساندة حقيقية للاستمرار في ممارسة دوره الكبير في كشف الحقيقة والإضاءة على مكامن الخلل والقصور ورصد الواقع كما هو دون مبالغة أو تضخيم، ولكن أيضاً دون مجاملة أو تلميع. فالصحفي، وهو يقوم بوظيفته المهمة، مطالب بممارسة الدقة والوضوح والشفافية، وبتغليب العقل والمنطق والواقعية، وبانتهاج الوسطية والاعتدال والحكمة، لأن الصحافة التي يُمثلها هذا الصحفي، مهما كان حجمه ودوره وقناعته، تُعتبر الصدى الحقيقي لواقع المجتمع، والمرآة العاكسة لكل شؤونه وشجونه، والضمير الحي الناطق بكل طموحاته وأحلامه وتطلعاته، وكذلك بكل مشكلاته وأزماته وتحدياته. الصحافة بمختلف اشكالها ومستوياتها، تُمارس دوراً خطيراً جداً، ولكن السؤال المهم هنا: من يُدرك حقيقة ذلك، سواء من الصحفيين أو المسؤولين؟ أعود إلى فكرة المقال الأساسية، وهي تجاوب المسؤولين مع ما يُكتب في الصحافة، سواء أكانت حقيقية تلامس الواقع وتقترب من معاناة المواطن، أو مجرد انتقادات واتهامات لا تستند إلى حقائق أو أدلة. لا أعرف، ما هو حجم النسبة الحقيقية لمدى تجاوب المسؤولين وصنّاع القرار مع ما تنشره وسائل الاعلام المختلفة من أخبار ومقالات وأحداث ووقائع ومشكلات وملاحظات وانتقادات. حقيقة لا أعرف ذلك، ولكنني على يقين وثقة تامة بأنها ليست بمستوى الطموح والتطلع، ولا ترقى لسقف التوقع والمأمول. ولكي أقترب كثيراً من هذا الملف الساخن والحساس عدم تجاوب المسؤول مع الصحافة أشير إلى نقطتين مهمتين. الأولى، أننا نعيش في وطن كبير جداً، هو أشبه بقارة مترامية الأطراف ومتعددة الجغرافية والتضاريس والمناخ والثقافات والعادات والأطياف، وتغص بالوزارات والأجهزة الحكومية والمؤسسات والشركات العامة والخاصة، فمن المتوقع، بل من المؤكد جداً أن يكون حجم الاخطاء والخلل والنقص والقصور والفساد والإهمال والبيروقراطية كبيراً جداً يتناسب وضخامة هذا الكيان الكبير بكل تلك التفاصيل الصغيرة والكبيرة. لذا، يجب أن يتحلى الصحفيون والإعلاميون والكتاب بالدقة والموضوعية والعقلانية والمهنية في طرح افكارهم وقناعاتهم وطموحاتهم بعيداً عن النقد الجارح أو التشهير الفاضح، وفي المقابل طبعاً، يجب أن يتمتع المسؤولون وصنّاع القرار بسعة الصدر وحسن التواصل وسرعة التجاوب مع كل ما يُثار في وسائل الاعلام. الثانية، أن المحرر الصحفي أو كاتب المقال، ليس معصوماً من الخطأ أو الزلل، ولكنه يجتهد لنقل الصورة/القضية كما يراها طبعاً إلى القراء، ولكنه في حقيقة الأمر، يوجه سهام حروفه للمسؤول وصانع القرار، لأنه الوحيد الذي يملك مفاتيح الحل والإصلاح والتغيير. والعلاقة بين الصحفي/الكاتب والمسؤول والتنفيذي، يجب أن تكون تفاعلية وتكاملية وحضارية، أي أنها أشبه ما تكون بحلقة متصلة لها بداية معلومة ونهاية معلومة. علاقة اتصال وتواصل وتفاعل، يقدم فيها الصحفي رؤيته لفكرة أو قضية ما مدعومة بالتفاصيل الايجابية أو السلبية لا فرق إلى المسؤول الذي يضعها في "خط إنتاج" طبيعي ويخضعها للنقد والتحليل والمراجعة، بل وللعلاج والتصحيح، ولا يعتبرها مجرد تصيّد أو محاولة ترصد أو إثارة للرأي العام ضد وزارته أو إدارته أو عمله. ويمكن وضع خطوات التفاعل والتجاوب التي يُمارسها المسؤول مع الصحافة في أربعة مستويات: الأول، حرصه على متابعة كل ما يُكتب حول عمله. الثاني، اتخاذ الاجراءات المناسبة للتأكد من صحة ودقة وموضوعية ما يُكتب. الثالث، التجاوب مع ما يُثار في الصحافة، سواء بالاتصال على الصحفي أو الصحيفة، أو كتابة رد أو تعليق صحفي. الرابع، وهو الاهم طبعاً، سرعة حل المشكلة التي قد يتوقف عليها الكثير من المعاناة أو الالم أو الضرر على المواطنين أو تتسبب في إهدار طاقات ومقدرات الوطن. نعم، هناك مستوى خامس قد يُضاف إلى تلك المستويات الأربعة، قد يضع نهاية سعيدة أو تعيسة لتلك العلاقة الملتبسة بين المسؤول والصحافة، وهي نهاية طبيعية أو هكذا يُفترض لقياس هذه العلاقة، والتي قد تنتهي بشكر وتقدير أو محاسبة وتغيير. بالنسبة لي، ومنذ أن بدأت كتابة المقال الصحفي، قبل عاماً، لم ألمس تجاوباً مقنعاً مع المسؤول، رغم أنني قاربت الكثير من القضايا والملفات والتابوهات الساخنة. بصراحة لا أعرف سبب تلك الجفوة. أيضاً، لا أعرف كيف يُفكر المسؤول، كما لا يوجد "كتالوج" يمكن الرجوع إليه يحدد النقاط التي يمكن اتباعها للوصول إلى طرق التأثير على المسؤول لإقناعه بالتواصل والتجاوب والاهتمام بما يُكتب. لا أعرف، قد يُفضل بعض المسؤولين العمل بصمت بعيداً عن ضجيج الصحافة وفلاشات الكاميرات، أو قد يكون السبب نتيجة انعدام الثقة بين الطرفين، أو لأسباب أخرى لا أعرفها، أو أعرفها! "أنا حريص كل الحرص على متابعة كل ما يُكتب حول عملي، لان كل الانتقادات والملاحظات والاقتراحات ستُسهم بلا شك في عملية التطوير والإصلاح.. ". هكذا بدأ معي وزير التربية والتعليم الجديد الامير خالد الفيصل مكالمة هاتفية استمرت لعدة دقائق، بمجرد أن قرأ مقالي "خالد الفيصل: تستطيع ذلك نحو المعلم" على صدر هذه الصحيفة الغراء. خالد الفيصل، مثال رائع على تجاوب المسؤول، ولكن ماذا عن الآخرين؟
مشاركة :