بثقة واضحة ونشوة غامرة مضت رئيسة البرازيل ديلما روسيف تشق طريقها بين آلاف المحتشدين في سيارة مكشوفة محيية وشاكرة! ورغم جمال الصورة كلها بكل تفاصيلها وأركانها فقد خطفت ديلما الأضواء من كل الرؤساء وهي تعلن أن بلادها قطعت شوطا كبيراً في القضاء على الفقر وأن الأولوية المقبلة هي التعليم. صحيح أن السيارة المكشوفة هي من طراز "رولز رويس" موديل 1952م، وصحيح أن لونها الأزرق القاني كان يبرز فستان الرئيسة الأبيض فيما تقف بجوارها ابنتها بفستانها الأحمر الجميل، لكن الأجمل من ذلك كله كان هو تعهدها بالحرب على الفساد مع بدء فترتها الرئاسية الثانية. لقد مضت الخيول خلف السيارة المكشوفة ولكأنها تزف الرئيسة التي يعرفها كل عامل فقير في البرازيل إلى قمة المجد، وهي التي سجنت وتعرضت للتعذيب في عهد النظام الديكتاتوري. والحق أن ديلما كانت تنثر الفرح على وجوه المحتشدين على الجانبين قائلة بفخر: "لدينا اليوم أول جيل من البرازيليين الذين لم يعرفوا الجوع"! كنت أحملق في صورة الرئيسة البرازيلية فوق السيارة المكشوفة وأنا أتذكر سيارات الرؤساء "المكسوفة" خجلاً من ضعف الأداء أو هرباً من المطالبة بالحقوق، أو خوفاً من مصير دموي مثلما حدث لسيارات رؤساء كثر في أكثر من دولة عربية! الفرق بين سيارة رئيسة البرازيل المكشوفة وسيارات الرؤساء "المكسوفة" هو الفرق بين الأداء الاقتصادي والسياسي والأمني والاجتماعي بين البرازيل وغيرها. لقد خرجت ديلما من السجن دون أن يغيب عنها لحظة واحدة مطلب من مطالب العمال أو الموظفين أو المزارعين أو الأطباء أو المهندسين أو المعلمين، وعندما غرقت الشركة النفطية العملاقة "بتروبراس" في فضيحة فساد طالت بعض الشخصيات السياسية المتحالفة مع الرئيسة لم تسكت ديلما متعهدة بالتحقيق الشفاف في تلك الفضيحة.. ولأنها كذلك، فازت الرئيسة بولاية رئاسية ثانية ومضت تشق طريقها في الشوارع على ظهر سيارة مكشوفة فيما تمضي خلفها سيارتان أخريان وعشرات الخيول، فيما يظهر رؤساء آخرون كالخفافيش وسط أرتال من السيارات. لقد كشفت سيارة الرئيسة البرازيلية المكشوفة عن الفرق الرهيب بين من يتركون أعمالهم تتحدث عنهم ويسري حديثها العذب في الشوارع والميادين.. في المصانع والمزارع، ومن يتحدثون كثيراً دون أن يرى مواطنوهم شيئاً ملموساً على الأرض.. والنتيجة الطبيعية هي السير إلى الأمام في سيارة مكشوفة أو الرجوع إلى الخلف في سيارات مكسوفة! لقد قاومت ديلما القهر السياسي وخرجت من السجن أكثر صلابة وإصراراً، وقاومت السرطان وخرجت أكثر صحة وجمالاً.. وفي ذلك تقول: الحياة تتطلب شجاعة للمواجهة.. مواجهة الظلم والاستبداد.. ومواجهة المرض والعوز.. ومواجهة الشعب الذي لا تتوقف مطالبه، ولا تتجمد طموحاته. أعترف لكم أن صورة الرئيسة البرازيلية أبهرتني كثيراً، لكنني سأظل أحتفظ لها بصورة أخرى وهي تبكي أطفال غزة معلنة استدعاء سفيرها من تل أبيب احتجاجاً على الهمجية الإسرائيلية. الآن.. عرفت الفرق بين سيارة وأخرى.. وموقف وموقف! sherif.kandil@al-madina.com
مشاركة :