إن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وكذلك محمد بن سلمان، الأمير الشاب الذي أبهر الدنيا بانجازاته منذ توليه ولاية العهد وحتى الآن، لن يعود أو يتراجع عن رؤيته من أجل المستقبل الجديد للسعودية وشعبها الجبَّار، كما قال عنه في مؤتمر دافوس الصحراء الذي عُقد في الرياض الأسبوع الماضي. هذا الرجل الذي أكَّد أن السعودية تسير نحو نهضة حضارية جديدة بخطوات ثابتة وإيمان راسخ بمقدرة الشعب السعودي الذي بدأ مشوار الألف ميل -رغم كل ما يدور حوله من تحديات وأطماع وتهديدات - لبناء مستقبل باهر للمملكة العربية السعودية باعتماد مبدأ الوسطية والاعتدال ومحاربة الفساد والتشدّد الديني والإرهاب والتطرّف بكل جدّية وبرؤية عملية لا حدود لها، فبدأ برامج التغيير بأفعال وقرارات حازمة وتنفيذ كل المشاريع والأخذ بكل الأفكار التي من شأنها تحقيق الإصلاح والتطوير والانفتاح على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والسياسية والعسكرية. فأصبحت المملكة العربية السعودية تسير بخطى ثابتة نحو بناء نهضة حضارية رغم التحديات والتهديدات والأوضاع السياسية والأمنية المعقدة جداً التي تعيشها منطقة الخليج العربي وإقليم الشرق الأوسط والعالم أجمع، والتي من أبرزها: إيران: فمنذ نجاح الثورة الخمينية عام (1979م) التزمت إيران دستورياً بتصدير مبادئ تلك الثورة القائمة على التمدّد الشيعي في دول الجوار الإقليمي، وتثبيت نظام (ولاية الفقيه) كنظام إقليمي مُعترف دولياً، فقامت بتسييس مواسم الحج بالتخطيط للحوادث الإرهابية والتخريبية وخلق الفوضى والاضطرابات بدفع الحجاج الإيرانيين لرفع الشعارات السياسية والدينية الطائفية، وفتح معسكرات مخصصة لتدريب عناصر من المواطنين الخليجيين على أعمال العنف والإرهاب بهدف إسقاط الأنظمة الخليجية الحاكمة ودعم الحوثيين في اليمن والشيعة المغرَّر بهم في السعودية والكويت والبحرين. بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية: حيث شكَّل هذا الثنائي التحدّي الأكبر أمام المملكة العربية السعودية، فعَمِل على التخطيط والتنسيق لتنفيذ خطة التغيير في الشرق الأوسط وإسقاط الأنظمة الخليجية الحاكمة ابتداءً من مملكة البحرين وصولاً إلى السعودية، وذلك في إطار خطة (الفوضى الخلاَّقة) وانطلاق أحداث (الربيع العربي) في نهايات عام (2010م)، إلا أن هذا الحلم انتهى بعدما سحقه الحزم السعودي، ووقفت المملكة العربية السعودية بالمرصاد لمن يهدد الأمن القومي العربي، ففشل المخطط الخبيث في مملكة البحرين بتمكّن البحرين بشعبها الوفي وقيادتها الحكيمة من تجاوزه بدعم سعودي استثنائي كان هو أحد أهم أسباب سقوط الحلم (الإيراني الأمريكي البريطاني)، وقد جاء الاعتراف بهذا الفشل في كتاب (الخيارات الصعبة) لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، والذي نُشر عام (2014م) وغطَّى فترة توليها لوزارة الخارجية من عام (2009م حتى 2013م). دولة قطر: وهي التي ينطبق عليها المثل الخليجي المعروف (إذا جاتك علّتك من بطنك من وين تجيك العافية؟)، حيث سخَّرت قطر كافة إمكانياتها وأموالها وإعلامها لتنفيذ مخططها المُحكم للتربّع على عرش الوطن العربي والتحكم فيه عبر تغيير أنظمته الحاكمة ابتداءً من إزاحة المملكة العربية السعودية من المشهد السياسي والاقتصادي وإنهاء حكم آل سعود خلال عشر سنوات، وتبنّي وتمويل واحتضان مراكز الدراسات والأبحاث والتدريب والمنظمات الفكرية المشبوهة والشخصيات التي تمارس حراكاً مضاداً لدول مجلس التعاون، وتخصيص مساحات إعلامية واسعة على قناة الجزيرة لبثّ البرامج الإخبارية الملفقة والأفلام المحرّضة على الفتنة والانشقاق في المجتمع الخليجي، وتحالفت في ذلك مع (تركيا) وسعت بكل قوة واستماتة لتمهيد الطريق إلى صعود تيار جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن النهج الإخواني الذي يقوده أردوغان يتعارض تماماً مع سياسة دول مجلس التعاون. وبالنظر للأطماع (الإيرانية الأمريكية البريطانية القطرية) وتحليل مواقفها المختلفة، نجد أنه ليس من المستغرب إطلاقاً متاجرتها بقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، واعتبارها فرصة ذهبية واجبة الاقتناص للنيل من المملكة العربية السعودية بشتى الوسائل ووقف خططها التطويرية التي يقودها الأمير الشاب محمد بن سلمان. ففي نظر الطامعين ويقينهم يجب أن تبقى السعودية محلّك سر، وأن تستمر في تنفيذ وتمويل برامج ومشاريع ومعالجة مشاكل الدول الأخرى، لا أن تشقّ طريقها نحو المستقبل والبناء والانفتاح! وليس أدلّ على ذلك عدم تنظيم حملات إعلامية وسياسية لمناصرة الصحفيين والسياسيين والأفراد والدبلوماسيين الذين تمَّت تصفيتهم أو التضييق عليهم أو تعذيبهم أو سجنهم في الولايات المتحدة ذاتها وتركيا وقطر وإيران والعراق وفلسطين وسوريا والعديد من العواصم الغربية، حيث لم تُكلِّف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والأمم المتحدة نفسها عناء شجب الجرائم اللا إنسانية التي تُرتكب في حق تلك الفئات والتحقيق فيها ومعاقبة منفذيها ومتابعة تفاصيلها وتطوراتها على مختلف وسائل الإعلام! إلا أن قضية خاشقجي تبقى منفردة عن غيرها بأهدافها البعيدة عن كونها جريمة جنائية أعلنت المملكة العربية السعودية عن ملابساتها ووعدت باستمرار التحقيق فيها بكل حيادية وشفافية في بيان رسمي صادر عن الديوان الملكي، إنما استُخدمت تلك الجريمة استخداما سياسيا وتمّ توظيفها لتدمير الصورة الجميلة للمملكة العربية السعودية! إلا أنه وفي كل الظروف ووسط كل المخاطر والتهديدات ستظل السعودية كما كانت دائماً بلد الاعتدال والتسامح والعطاء، ومركز الثقل العربي والإسلامي، وسيبقى دورها الإقليمي المؤثر رغم كل التحديات، فهي صمام أمن واستقرار العالم، وهي الركيزة الأساسية لتحجيم دور إيران والحَدّ من برامجها في مجال تطوير الصواريخ الباليستية، وهو الأمر الذي يسعى الرئيس ترامب لوقفه بفرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران ابتداءً من يوم الأحد المقبل (4 نوفمبر 2018م) ولا مناص من الاعتراف بالدور السعودي المؤثر على نجاح تلك العقوبات في تحقيق الأهداف الأمريكية.
مشاركة :