القاهرة – لم يعد مستغربا في العديد من المجتمعات العربية ان تشتهر أسر معينة بالسرقة مثلا أو بالقتل أو بغيرهما من تعبيرات الإجرام وعدم احترام القوانين. وقد يلاحظ كثيرون أحيانا وجود أفراد من نفس العائلة في السجون وعلى مدار أجيال. وتقول أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس نورهان السعيد “لا أستطيع أن أتبنى الرأي الذي يطرحه بعض علماء الهندسة الوراثية الذي يفيد بأن للإجرام جينات تنتقل من الأجداد إلى الأحفاد، ولكن أرى أن البيئة التي ينشأ فيها الفرد هي التي تكسبه عادات معينة، ومن الممكن أن يتعلم من الأقران الذين يعيش معهم، وليس فقط من أسرته”. وتوضح السعيد أنه من السهل أن يتأثر الأبناء بمواقف الوالدين ويتعلموا منهم السلوك والعادات، فمثلا إذا كان الأب منحرفا هناك احتمالات أكبر أن يمضي الابن على خطاه. وكثيرا ما يكون السلوك المنحرف نتيجة لقيم أسرية منحرفة، وعندما يكبر الطفل يجد مبرراً لما ارتكبه من جرائم في حق المجتمع، ويتولد لديه اعتقاد أن المسؤولية تقع على عاتق أسرته، فيتمادى دون ضوابط رقابية خارجية أو داخلية. وتساهم العديد من العوامل في انتقال الجريمة بين أفراد الأسرة الواحدة ومن أهمها التنشئة الاجتماعية، فالأب الذي يخالف قانون المرور مثلا يعوّد ابنه على مخالفة اللوائح والتعليمات ويؤدي ذلك دون خوف لأنه شاهد أباه يفعل ذلك ببساطة. ومن الممكن أن ينمو لدى الابن منذ صباه شعور الاستهانة بالقوانين وبالتالي يخاطر بالأعمال الإجرامية، وينتقل الأمر إلى العائلة حيث يمكن أن يتاجر جميع أفرادها بالمخدرات أو يمارسون كل ما هو ضد القانون. وتنتشر الجريمة بمختلف أنواعها سريعا في الأحياء الشعبية التي تعيش على هامش المجتمع وكل أفرادها يمتهنون مهنا متدنية ولم يحصلوا على نسبة كافية من التعليم والثقافة، وليست صور البلطجية والفتوات إلا دليلا على تدني الثقافة والوعي بين هؤلاء، وهو ما تقره الدراسات الاجتماعية. ويرى أستاذ علم النفس بجامعة المنيا عبدالعزيز أحمد، أنه لا توجد جينات إجرامية وراثية، فالمجتمع هو الذي يكون المجرم والفاسد كما يخلق العالم ولذلك “علينا الاهتمام بالرعاية الأسرية ووضع برامج اجتماعية لحل المشاكل في الأسرة مثل البطالة والهروب من المدارس والعنف والحد كذلك من الأفلام والبرامج التي تمجد البلطجة والخروج على القانون وتبرر الجريمة، فتصبح في المجتمع نماذج متدهورة أخلاقيا وتكون هي النموذج الأمثل مثل الكثير من الشخصيات الدرامية التي يخترعها منتجو السينما فيعجب بها الجمهور من المراهقين لتصبح مثلا يُحتذَى به”. السلوك المنحرف قد يكون نتيجة لتصرفات أسرية منحرفة، وعندما يكبر الطفل يجد مبررا لما ارتكبه فتقع المسؤولية على الأسرة وتظل الأسرة تحتل المرتبة الأولى ولديها أهمية قصوى في التنشئة الاجتماعية للفرد فهي بمثابة المعد الأول للشخصية، فعن طريقها تُغْرَس في الطفل أنماط ونماذج واستجابات تجاه التفكير والقيم والمعايير. كما أن الجريمة ليست وحدها من مظاهر الانحراف، بل قد يكون من مظاهر انحراف الأب انهيار أخلاقه، كما لو كان سكيراً أو مقامراً أو عاشقاً لغير زوجته، وهذه كلها عيوب خطيرة في شخصية الأب تجعل رعايته لأولاده رعاية معيبة، وتهبط بهم إلى مستوى من فقدوا الرعاية، كما تتضمن توجيهاً فاسداً يخلق منهم أحداثاً منحرفين. ولا يرتبط النزوع نحو الانحراف والجريمة بالجينات والعوامل الوراثية ،حسب رأي الباحث في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة خالد عبدالقادر، ولكن يجب فهم وبحث أسباب نشأة المجرم وكيفية تكوّنه؟ ويحدد الباحث عوامل كثيرة تساهم في دفع الشخص إلى الجريمة من أهمها الأسرة والمدرسة والبيئة التي نشأ فيها إلى جانب رفاق السوء وكذلك ضعف المستوى العلمي والثقافي للوالدين لأنهما المسؤولان عن تربية الطفل وهو يتعلم منهما أساليب التربية وكيف يكتسب القيم. ويخلص عبدالقادر إلى أنه لا يوجد مجرم بالوراثة فهناك عائلات عريقة في الإجرام تبرأ منها أبناؤها وهربوا وعاشوا في مناطق أخرى بعيدا عن سلوكيات عائلاتهم السيئة. وقال “أعتقد أن المجرم أصبح مجرما لعوامل تتعلق بالفقر والبحث عن الثراء وتقليد الآخرين والمظاهر الكاذبة، بجانب عدم اهتمام الأسرة به وهو طفل إذا أخطأ أو عاد إلى البيت ومعه كتاب أو قلم لا يخصه ولا يجد من يقول له من أين لك هذا؟ ولماذا حصلت على ما لا يخصك؟ التربية داخل الأسرة تمثل القدوة والمثل الأعلى في تكوين الطفل”. وليس مستغربا أن نجد أن الأطفال الذين نشأوا في أسر فاسدة أصبحوا يسرقون من أجل إطعام أنفسهم ويبحثون عن مأوى “لكننا بالرعاية الاجتماعية استطعنا أن نعيد تأهيلهم وأصبحوا يتعلمون في المدارس ويعيشون مع أسر تمثل لهم الأب والأم” على حد تعبير الباحث في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة. وفي المقابل يعتبر أستاذ الهندسة الوراثية أسامة أبوالنصر أنه يوجد ارتباط بين الآباء والأبناء من الناحية الوراثية الخاصة بالسلوك العدواني والإجرامي، فتجد الابن يحاول تقليد أبيه بل يمارس السلوك ذاته سواء كان مذموما أو محمودا، ويرى مختصون أن هناك جينات خاصة ببعض صفات الأب مثل العنف والغضب واللامبالاة، والتي قد تنتقل إلى الابن ويتأثر بمواقف أبيه كثيرا وينشأ على هذا الحال. هذه العوامل تسهل على الابن اختراق القانون والإقبال على السرقة مثلا لأنه شاهد أباه يمارس السلوك ذاته؛ والمشكلة هنا ترجع إلى نشأة هذا الفرد في أسرة لا يحترم أفرادها القانون، ولذلك طالب أبوالنصر وسائل الإعلام باعتماد برامج تربوية وعلمية، كما طالب وزارة التربية بضرورة أن تمارس دورها التربوي وتنهى عن ممارسات كالعنف وتكثر من الأنشطة الثقافية والاجتماعية للطلاب.
مشاركة :